وفاة أحمد الجلبي تسلط الضوء على إرث غزو العراق
سلطت وفاة أحمد الجلبي المفاجئة الضوء على عدد من القضايا الشائكة التي ما زالت تقض مضاجع بريطانيا والدول الغربية، وذلك بعد مرور زمن طويل على قيامه بدور محوري في تدبير الغزو الأمريكي والاطاحة بصدام حسين عام 2003.
ففي بريطانيا، ما زال الكثيرون يحبسون انفاسهم بانتظار نشر تقرير (تشيلكوت) حول حرب العراق، والذي طال انتظاره، في الأسابيع القليلة المقبلة.
كما تدرس الحكومة البريطانية موضوع الانضمام الى الولايات المتحدة ودول أخرى في شن غارات جوية على اهداف لتنظيم "داعش " في سوريا الذي يعزى صعوده من قبل كثيرين باعتباره أحد نتائج غزو العراق وما تبعه من اضطراب.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية الراهنة عام 2011، كان الامريكيون وحلفاؤهم الغربيون ينظرون الى ما حصل في العراق باعتباره درسا لا ينبغي أن يتكرر في سوريا.
وهذا هو السبب الرئيس الذي منعهم من التورط مباشرة في الأزمة السورية.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد انتخب لبرنامجه السياسي المتضمن وضع حد لمثل هذه المغامرات الخارجية وتجنب التورط في مثلها مستقبلا.
ولذا، فقد كان أوباما مترددا جدا في المشاركة في الحملات الجوية التي تستهدف "داعش" في العراق وسوريا، ولم يسمح الا لعدد قليل من المستشارين العسكريين وعناصر القوات الخاصة بالانتشار على الأرض.
كان الأمر يبدو مختلفا تماما في سنتي 2002 و2003، عندما كان المحافظون الجدد يتمتعون بنفوذ واسع في واشنطن وكانوا يتصيدون الفرص للهجوم على العراق والتخلص من صدام حسين وذلك كجزء من طموحهم لتأسيس "شرق أوسط جديد".
وفي ذلك الحين، كان أحمد الجلبي، الذي كان قد غادر العراق في أواخر الخمسينيات، يرأس المجلس الوطني العراقي المعارض.
ووجد الجلبي، الذي كان يتوق للاطاحة بصدام حسين، نفسه على رأس الجهود التي كانت تبذلها المعارضة لاقناع الأمريكيين بغزو العراق والتخلص من صدام بعد ان فشلت محاولاتها في التخلص منه عبر انقلاب داخلي.
وكان الجلبي في الواقع يطرق بابا مفتوحا اصلا.
واذا كان الجلبي قد خدع واشنطن عمدا عن طريق تزويدها بمعلومات عن برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل وعلاقاته بالارهاب الدولي (غير الموجودة اصلا)، فإنه كان يعلم أن ثمة دوائر متنفذة في الولايات المتحدة كانت راغبة بتناول الطعم دون تمحيص بينما كانت تعد العدة لحرب اختارت ان تخوضها بارادتها.
بعبارة أخرى، كان الأمريكيون يستغلون الجلبي، وهو كان يستغلهم ايضا.
وبينما اعتذر رئيس الحكومة البريطانية آنذاك توني بلير بشكل مشروط عن استخدام معلومات استخبارية غير موثوقة لتبرير غزو العراق، وعن الاخفاق في التخطيط لمرحلة ما بعد الغزو، لم تساور الجلبي اي شكوك من هذا النوع.
ففي حديث أدلى به اواخر العام الماضي، عبر عن فخره بالدور الذي لعبه في تدبير الغزو الذي اطاح بصدام حسين. فبالنسبة للجلبي كانت هذه هي الغاية التي تبرر أي وسيلة.
ولكن الاطاحة بصدام حسين ونظامه لم تكن لوحدها السبب في انزلاق العراق الى حالة الفوضى التي ما برحت تعصف به منذ ذلك الحين.
ففي الأشهر التي تلت الغزو والاحتلال، تم تفكيك كل الهياكل والبنى السياسية والأمنية التي كانت تحفظ وتحمي وحدة العراق، بما فيها حزب البعث (وهي العملية التي لعب فيها أحمد الجلبي دورا بارزا) والجيش والاجهزة الأمنية والاستخبارية.
وسرح الآلاف من الضباط والمسؤولين من الخدمة وارسلوا الى بيوتهم وهم يضمرون حقدا دفينا، مما أعد المسرح للحركة المسلحة التي اندلعت لاحقا وللتشرذم والعنف الطائفي و – في آخر المطاف – لظهور تنظيم "داعش".
ولد تنظيم "داعش" في العراق، وتمدد لاحقا في سوريا حيث استغل الفوضى وفراغ السلطة التي تسببت بها الحرب الأهلية للتمترس والانتشار قبل عودته الى العراق واحتلاله الموصل في العام الماضي.
والآن، يتمترس التنظيم بقوة في البلدين، وتبدو احتمالات اعادتهما الى سابق عهدهما كبلدين موحدين ضعيفة جدا نظرا لدرجة التشرذم التي يعانيان منها.
وهذا هو الشبح الذي يؤرق الغرب بينما يتدارس طرق التعامل مع أزمة تسببت في نزوح الملايين من اللاجئين الى البلدان المجاورة وفي توجه مئات الآلاف الى القارة الأوروبية.
إن المصير الذي آل اليه العراق منذ عام 2003 يؤكد ان التدخلات غير مدروسة العواقب تحمل في طياتها مخاطر جمة بل وكارثية. BBC
وكالة الصحافة الاوروبية بالعربية