د. علي الجابري: سوريا بين دستور الاسد ودستور الشرع.. ما الذي تغيّـر؟

أثار الدستور الانتقالي المؤقت الذي اعلنه الرئيس السوري المؤقت احمد الشرع يوم الخميس 13 مارس 2025، ردود افعال واسعة بين مختلف شرائح المجتمع السورية القومية والدينية والسياسية، وقد تضمنت الكثير من البنود الجديدة التي رحب بها البعض ورفضها البعض الاخر، ووجد انها ترسخ التفرد بالسلطة وتغفل حقوق الاقليات.
ورغم ان الدستور المؤقت يهدف الى توفير اطار انتقالي للمرحلة الانتقالية تضمن السلم الاهلي واعادة بناء الدولة، الا انه تضمن بعض النقاط المستفزة للاقليات وللاحزاب السياسية وللعلمانيين في البلاد، ويمكن ان نركز هنا على البنود الجديدة في الدستور المؤقت التي تختلف عن اخر دستور دائم لنظام بشار الاسد الذي اقر عام 2012، وابرز الايجابيات والمؤاخذات التي سجلت عليه:
- الكثير من فقرات الدستور الجديد كانت موجودة في دستور البلاد عام 1950، المستوحى من الدستور الفرنسي للجمهورية الرابعة، وتضمن بعض الفقرات من دساتير حكم آل الاسد أيضاً.
- الدستور يتحدث صراحة عن وجوب كون رئيس الجمهورية مسلماً حصراً.
- الدستور المؤقت الجديد صُمّم ليكون وثيقة مؤقتة مدتها خمس سنوات، يتم خلالها اعداد دستور دائم واجراء انتخابات حرة، لكن الكثير من القوى القومية والسياسية وجدت في مدته التي تصل لخمس سنوات مدة طويلة جداً، وتُـنبئ بسعي “الشرع” لحكم سوريا لسنوات طويلة، بعيداً عن الديمقراطية.
- منح الدستور المؤقت الرئيس احمد الشرع صلاحيات واسعة شبه مطلقة، بما فيها تعيين مجلس الشعب الذي يضم مئة عضو خلال (٦٠) يوماً. بينما كان الدستور السابق الدائم اقر انتخاب مجلس الشعب من قبل الشعب مباشرة، وهو ما اثار مخاوف من سعي “الشرع” للتفرد بالسلطة خلال المرحلة الانتقالية.
- نص الدستور الجديد المؤقت على ان يكون الفقه الاسلامي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد، بينما كان الدستور السابق ينص على ان الفقه الاسلامي يعد مصدراً رئيساً للتشريع، وهو ما فُسِّر على انه توجه للانتقال بسوريا الى دولة اكثر دينية، تعطي الاولوية للشريعة الاسلامية، وهو ما اثار مخاوف كبيرة لدى الاقليات الدينية مثل المسيحيين والدروز بالاضافة الى العلمانيين. وقد عبّر قادة المسيحيين مثل “بطريرك الكنيسة السريانية الارثوذكسية” عن دعم حذر، وشدد على ضرورة الحصول على ضمانات لحرية الدين والتمثيل في الحكومة لضمان حقوقهم.
- وفقاً للدستور المؤقت الجديد، فإن السلطة التشريعية ستكون مجلس الشعب، الذي منحت له صلاحية عزل الرئيس او تقليص صلاحياته، لكن لا تبدو هذه الفقرة ذات جدوى خلال الفترة الانتقالية خاصة ان مجلس الشعب سيُعيَّن بشكل مباشر من قبل الرئيس، وليس من قبل الشعب، وبالتالي فإنه سيكون موالياً بدرجة كبيرة الى الرئيس الشرع.
- لا ينص الدستور على النظام الفيدرالي الذي يطالب به الاكراد، وهو الحد الادنى الذي يرضيهم كبديل عن حلم الاستقلال بدولة مستقلة، ولم يُـشِرْ الى اية حقوق تخص الاكراد، مما يرجح تصاعد الخلافات بين حكومة المركز والقوى الكردية في شمال شرق سوريا، ولم تتأخر تلك القوى في الاعتراض على الدستور المؤقت واعتبرت انه لا يضمن حقوقها.
- ركز الدستور الجديد على العدالة الانتقالية من خلال تجريم انتهاكات نظام بشار الاسد ودعم الحريات في مرحلة ما بعد الاسد بما في ذلك حرية الرأي وحرية التعبير والنشر.
- ضَمَنَ الدستور المؤقت حقوق المرأة، حيث كان هذا المطلب احد شروط الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبا لرفع العقوبات عن سوريا.
- ينص الدستور الجديد على انهاء حالة الطوارئ في البلاد، وهي حالة كانت سائدة في زمن حكم الرئيسين حافظ الاسد وبشار الاسد، وفيما اذا اراد الرئيس الجديد اعلان حالة الطوارئ، فإنه لا يستطيع تمديده الى ما بعد الفترة المحددة الا بعد الرجوع الى مجلس الشعب.
- تجرى الانتخابات بعد الموافقة على الدستور الدائم للبلاد ، ويُسمح بتشكيل الاحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات، وهو أمر قد لا يرضي بعض “الجماعات الاسلاموية الجهادية” في سوريا، التي تطالب بدولة اسلامية تعتمد مبدأ الشورى، على غرار نموذج الدولة التي أنشأتها هيئة تحرير الشام في مدينة ادلب.
- في الجانب الاقتصادي، ركَّز الدستور الانتقالي على العدالة الاجتماعية، وعلى المنافسة الحرة، فضلاً عن الغاء الاحتكارات، مما يؤكد دخول سوريا الى اقتصاد التجارة الحرة والسوق الحرة.
كيف ستتصرف القوى المؤثرة في سوريا؟
من المتوقع ان تستمر النقاشات حول الدستور المؤقت من قبل جميع القوى السياسية والدينية والاجتماعية في سوريا، في سعي كلا منها لضمان حقوقه.
فالقوى الكردية سوف تستمر بمطالبها للحصول على الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً، او تتوسع مطالبهم ليكون النظام في البلاد فيدرالياً، ومن المؤكد انهم لن يرضوا بأقل من ذلك، وسوف تتحدد علاقتهم بالحكومة المركزية في دمشق بناء على موقفها من مطالب الكرد، ولذلك فالمستقبل ينبئ بتوترات مع حكومة الشرع قد تتطور لتصل الى القطيعة او المواجهات في حالة الوصول الى طريق مسدود في المفاوضات بينهما.
بالمقابل لن ترضى الاقليات الدينية بفقرة ان يكون الاسلام المصدر الرئيس للتشريع مع عدم وجود بنود تتعلق بحقوق الاقليات الدينية لانها تَعتَبر ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوقها، وسوف تلجأ تلك القوى الى الحصول على دعم دولي للضغط على حكومة الشرع لتحقيق مطالبها.
اما القوى الاسلامية فلا شك انها سعيدة بأن يكون الاسلام مصدر التشريع الرئيس وان يكون رئيس الجمهورية مسلماً، لان هذه البنود كان من بين ابرز مطالبها خلال الفترة الماضية.
وعلى الجانب الاخر سوف يكون العلمانيون امام تحدٍ واضح ومواجهة مباشرة مع الحكومة لتعديل هذا الدستور، لانهم لا يرون مصلحة لسوريا في ان يكون الدين المصدر الرئيس للتشريع وادارة الدولة، وسوف يستمرون بالضغط محلياً واقليمياً ودولياً لتحقيق مطلب فصل الدين عن ادارة الدولة.
ووفقاً لرصد ردود افعال الحكومة خلال الفترة الماضية، يبدو انها كانت اكثر مرونة في التعامل مع القوى السياسية والدينية في البلاد، ومن المرجح ان تستمر في الحوار مع جميع الاطراف لضمان استمرار حالة الاستقرار في البلاد، ومحاولة الوصول الى حلول مرضية نوعاً ما مع جميع الجهات التي تختلف معها، لكن بلا شك فإنها امام تحديات كبيرة، وامامها مطبات شديدة، قد تقود الى انقسامات كبيرة في المجتمع السوري، او اكثر من ذلك.
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية