الأضواء تبتعد عن “سيد الإليزيه” الضعيف في قمة الناتو
سلطت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، الضوء على مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي عقدت في واشنطن، مشيرةً إلى أنه لم يحظ باهتمام كبير خلال القمة.
فوضى فرنسا الداخلية
وقالت الصحيفة إن “السبب في عدم ظهور ماكرون كثيراً في قمة الناتو على غير العادة، يرجع إلى الاضطرابات السياسة الداخلية في بلاده”، وذلك في أعقاب الانتخابات التشريعية التي تصدر نتائجها حزب اليسار، دون أن يحصل على غالبية مطلقة، ما أسفر عن برلمان “معلق”، وجعل فرنسا في أزمة سياسية عميقة غير مسبوقة.
ومصطلح “البرلمان المعلق” يحدث عندما لا يحقق أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات الحزبية أغلبية مطلقة في مقاعد البرلمان، حيث يتعين في البرلمان الفرنسي الحصول على 289 مقعداً لتحقيق الأغلبية المطلقة.
وأثار غياب ماكرون عن افتتاح قمة الناتو، تساؤلات حول السبب، في ظل الاضطرابات السياسية داخل فرنسا.
وأضافت الصحيفة أن تصريحات ماكرون في قمة الناتو ركزت على سياسة فرنسا الداخلية بدلاً من السياسة الخارجية، مشيرةً إلى رسالته للفرنسيين، التي نشرتها صحف محلية، اعتبر فيها ماكرون أن “أحداً لم يفز” في الانتخابات البرلمانية.
ويرى مساعد الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، كاميل غراند، أن “ماكرون ليس أحد نجوم قمة الناتو وهذه ليست مشكلة”، في تغير لهجة ملفت للنظر، بحسب لما نقلته “بوليتيكو“.
وفي قمة فيلنيوس العام الماضي، سارع ماكرون لدعم أوكرانيا، حيث أعلن قبيل القمة أن فرنسا قررت تزويد كييف بصواريخ جديدة بعيدة المدى تسمح للقوات الأوكرانية بتوجيه ضربات للعمق الروسي، وهو الأمر الذي لم توافق عليه الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بينما لم يظهر كثيراً هذا العام أمام حشود الصحافيين، خلال القمة.
دعم أوكرانيا
وفيما يتعلق بأوكرانيا، قالت الصحيفة، إن ماكرون لم يكن لديه الكثير ليقدمه في هذه القمة، كما أنه لم يتعهد بتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي جديدة، على عكس الحلفاء الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا.
وبهذا الخصوص، قال أحد كبار مديري المركز الأوروبي في المجلس الأطلسي: “لم تكن فرنسا حاضرة على الإطلاق مقارنة بقمة فيلنيوس.. وهذا يشير إلى التشتت السياسي في الداخل الفرنسي”.
ولكن ماكرون لا يزال رئيساً لفرنسا، وبلاده تمتلك جيشاً قوياً له أدوار رئيسية، ولكن مقامرة “سيد الإليزيه” الانتخابية كانت عالية المخاطر، وتداعياتها تستنزف بالتأكيد “مصداقيته والثقة بما يقوله”، وفق المسؤول الأوروبي.
طمأنة الحلفاء
وفيما كانت تفاعلات الرئيس الفرنسي مع قادة الناتو تهيمن عليها محنته السياسية الداخلية، تبنى ماكرون لهجة مطمئنة خلال جلسة لمجلس الناتو، الأربعاء الماضي، وقال: إن “الفرنسيين اختاروا استبعاد اليمين المتطرف، اللذين كان بإمكانهم تهديد التزام فرنسا تجاه أوكرانيا وحلف الناتو”، بحسب ما ذكره دبلوماسي فرنسي.
وفي المؤتمر الوحيد الذي تحدث فيه ماكرون للصحافة على مدار يومين، قال: إنه أخبر حلفاءه أن “فرنسا لديها دستور واضح يسمح لها بضمان الاستمرارية في السياسة الخارجية”، مؤكداً أن بلاده ستواصل دعم أوكرانيا.
وبينما شككت الصحيفة في مكانة ماكرون، على الساحة الدولية، مشيرةً إلى قلق الحلفاء من إضعاف فرنسا، وقال مسؤول حكومي بريطاني إن ماكرون لا يزال “مهماً” في حلف الناتو، على الرغم من مشاكله الداخلية.
وأضاف المسؤول أن رئيس فرنسا سيكون شريكاً رئيسياً لطموحات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لتوقيع اتفاقية أمنية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو هدف رئيسي للسياسة الخارجية للحكومة البريطانية الجديدة.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس للصحافيين، أمس الخميس، إن “فرنسا لديها رئيس قوي.. وستكون شريكاً قوياً في الأجندة الدولية”.
فراغ فرنسي
وليس هناك شك في أن دول حلف الناتو تشعر بالارتياح بعد تجنب السيناريو الأسوأ لتحالف الناتو، وهو حكومة فرنسية بقيادة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف والمشكك في الناتو
وفي هذا الشأن، تقول الصحيفة، إن “الاضطرابات السياسية في فرنسا فتحت الفرصة لدول أوروبية أخرى، حيث كانت أول زيارة قام بها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بعد فوز حزب العمال في الانتخابات إلى برلين، وليس إلى باريس”.
ومن جهتها، قالت مديرة مكتب باريس لصندوق مارشال الألماني، التابع لمؤسسة الأبحاث الأمريكية، ألكسندرا دي هوب شيفر: “تضاءل النفوذ الشخصي للرئيس ماكرون، فيما يعتزم بعض شركاء فرنسا الاستفادة من هذا الانسحاب الجزئي للقيادة الفرنسية”، مضيفةً أن “برلين على وجه الخصوص تتجاوز باريس في قضايا الدفاع، وتعمل على تعميق شراكاتها الاستراتيجية مع الدول الأوروبية الأخرى”.
ووفقاً لـ”بوليتيكو”، تظل فرنسا القوة العسكرية الأولى في الاتحاد الأوروبي، لذلك لا يمكن لمكانة ماكرون أن تنهار، كما أن سياسة الدفاع الفرنسية والسياسة الخارجية، لن تنقلب بالكامل رأساً على عقب، مشيرةً إلى توقيع فرنسا وبولندا وألمانيا وإيطاليا اتفاقية مشتركة لتطوير صواريخ طويلة المدى، على هامش القمة.
المرحلة المقبلة
وعلى الرغم من أن فرنسا لن يحكمها اليمين المتطرف، كما كان يخشى الحلفاء في البداية، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بالوضع السياسي تثير التساؤلات، لا يزال من غير الواضح من هو رئيس الوزراء المقبل لفرنسا، لأن الأحزاب السياسية الفرنسية، على عكس معظم نظيراتها الأوروبية، ليست معتادة على بناء التحالفات.
وقالت الصحيفة الأمريكية، نقلاً عن مسؤول أوروبي كبير لم تسمه: “باريس صندوق أسود.. ولا نعرف سوى القليل جداً عما يحدث”، ولكن من غير المرجح أن تتغير بعض السياسات ــ مثل دعم أوكرانيا ــ بشكل كبير في ظل حكومة مقبلة.
ومع ذلك، فإن الدول الأقرب إلى الحدود الروسية تخشى أن مقترحات ماكرون الأكثر جرأة في دعم أوكرانيا، قد لا ترى النور أبداً، حيث أعرب رئيس ليتوانيا غيتاناس نوسيدا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، عن قلقه من خطة الرئيس الفرنسي المثيرة للجدل لإرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا، مرجحاً أنها لن تتحقق الآن، فيما أكد المسؤولون الفرنسيون أن ذلك لا يزال ممكناً.
وفي الوقت الحاضر، سوف تظل أجندة ماكرون في مجالي السياسة الخارجية والدفاع، محاطة بظلال السياسة الداخلية.