عبد الحسين شعبان: «11 سبتمبر» الروسية
النسخة الروسية من 11 سبتمبر، التي ظهّرها تنظيم «داعش خراسان» بمهاجمة قاعة كروكوس، خلال حفل موسيقي في منطقة كراسناغورسك شمال غربي موسكو، أثارت العديد من التساؤلات الخاصة والعامة عن دوافع تلك العملية، وقد نشرت وكالة «رويترز» تفاصيل قالت فيها: إن المشتبه فيهم وصلوا إلى موسكو عبر تركيا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي فاز مؤخراً بالانتخابات بنسبة 87% من الأصوات، إن العالم الإسلامي نفسه يعاني أيديولوجية هؤلاء، لكنه استدرك بأن هذا الهجوم يتّسق مع حملة أوسع من تهديدات أوكرانيا لبلاده.
التطرّف ابن التعصب ونتاجهما العنف، وهذا الأخير يستهدف الضحية بذاتها ولذاتها، وإذا ما ضرب عشوائياً وأصبح عابراً للحدود، بقصد إضعاف ثقة الدولة بنفسها وثقة المجتمع والفرد بالدولة، صار إرهاباً دولياً، والإرهاب الدولي يخضع للقوانين الدولية، إضافة إلى القوانين الوطنية، لاسيّما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، إضافة إلى جرائم العدوان وتهديد السلم والأمن الدوليين.
إن جريمة موسكو الإرهابية هي امتداد لعدد من جرائم العصر الإرهابية الكبرى، ولعل أبرزها اليوم جريمة الإبادة الجماعية، التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، التي تمثّل إرهاب الدولة ضد سكان غزة الأبرياء العزل؛ حيث تتحدى إسرائيل قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وآخرها قرار وقف إطلاق النار، وتضع نفسها دولة خارجة عن القانون ومارقة وإرهابية بامتياز.
وبغض النظر عن الروايات المتعددة، فالمؤكد أن تنظيم «داعش» وأخواته، ما زال يعمل في العديد من البلدان، مستغلاً ثغرات أمنية لتنفيذ مخططاته الجهنمية، وغالباً ما تنقلب هذه المنظمات الإرهابية على صانعيها، فقد انقلب تنظيم المجاهدين الأفغان، الذي أصبح تنظيم «القاعدة» على عدد من الدول الغربية والإسلامية، التي أسهمت في إنشائه ليقوم بمهمة مواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان بعد غزوها عام 1979، لكن التنظيم، برئاسة أسامة بن لادن، استدار بمواجهاته وخططه الاستراتيجية، فاختار برجي التجارة العالمية في نيويورك، في عملية غير مسبوقة، وكان ذلك بداية مرحلة جديدة للإرهاب الدولي منذ عام 2001، وبدأت مرحلة لاحقة بعد احتلال الولايات المتحدة أفغانستان في العام نفسه، ومن ثم احتلال العراق في عام 2003، ليتم تفريخ التنظيم إلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، الذي احتل في عام 2014 الموصل وثلث الأراضي العراقية، كما احتل ثلث الأراضي السورية واختار الرقة عاصمة له.
الجدير بالذكر أن تنظيم «داعش خرسان»، كان قد نفذ هجوماً في مطلع شهر كانون الثاني/يناير 2024 في كرمان بإيران، في ذكرى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأسفر الهجوم عن مقتل 103 أشخاص.
وبعيداً عن الاتهامات المتبادلة بمن يقف وراء «داعش» ويسهّل مهماته، فإن «الثقب الأسود» لا يزال موجوداً، والعالم بحاجة إلى الكشف عنه، وبالتالي علينا فهم طبيعة هذه الحركات، وماذا تريد؟ وكيف تعمل؟ وما هي سبل مواجهتها؟ فليس بالسلاح والأمن حسب، لأنها حركات تعتمد على الإرهاب والعنف كنظرية عمل، وبالتالي لابد من تفكيك وفضح منطلقاتها الفكرية، وسد الثغرات التي تعانيها مجتمعاتنا، بغض النظر عن أنظمتها، ولاسيما باعتماد معايير المواطنة المتساوية والمتكافئة، واتباع خطط مناسبة لمواجهتها، والحيلولة دون تمكينها من تجنيد الشباب، فضلاً عن الاهتمام بوسائل القوة الناعمة لرفع درجة وعي المجتمع وتعزيز مناعتها.
نقلا عن الخليج