د. علي الجابري: محنة الميليشيات العراقية بين “المقاومة” والحكم!
منذ ان تأسست الميليشيات العراقية على يد الحرس الثوري الايراني، لتكون ذراعاً طويلة لنظام خامنئي في العراق والمنطقة حتى السابع من أكتوبر 2023، كانت شعاراتها المعادية لأمريكا وإسرائيل وهدف محاربة “الاحتلالين الامريكي” والإسرائيلي “لتحرير” العراق والقدس، هو الطُعم لجذب الكثير من الانصار الباحثين عن المال والسلطة أكثر من طموحهم لتحرير بلدهم او تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني!
لكن الشعارات الرنانة بقيت الحجج التي يتشبث بها زعماء الميليشيات اللاهثون وراء المال والنفوذ، والذين جاءت بهم إيران من “الحواري والدهاليز القذرة” في قم وطهران والشام، لتمنحهم سلطةً ما كانوا ليحلمون بعُشرِ معشارِها حتى في احلامهم!
تحرير العراق اولاً !! ولكن ممن؟ من الإحتلال الذي اطاح بالنظام الحاكم وجاء بهم على ظهر الدبابات؟ هل يُعقل أن يسعى أي عاقل ان يُنهي سلطةَ من جاءَ به من العدمْ؟ ويفتح “أبواب جهنم” على نفسه؟ بالطبع لا ، وما المناوشات الاعلامية بين الطرفين إلا وسيلة لبقائهما معاً وقطع الطريق أمام من يسعى لتخليص بلده من كليهما!!
وهكذا تحولت شعارات “المقاومة” الى وسيلة للإبتزاز السياسي وفرض منطق القوة على العراقيين ، وعلى الحليف الامريكي اذا ما قرر تغيير موقفه من هذه العصابة الحاكمة! وما أن امسكت بقبضة من حديد على السلطة حتى عادت تلك الفصائل الى رفع شعارات وهمية، بينما تصافح “المحتل الامريكي” من تحت الطاولة ، وتأتمر بأوامر ورغبات “سعادة السفيرة” الحاكم الفعلي للعراق!
لم تبق لهم إلا شعارات تحرير فلسطين، هم ومشغلهم الايراني، الذي يدعّي انه يقود لواء تحرير القدس منذ ان زحف وتمدد ليفرض سطوته على العديد من العواصم العربية دون أن يصل الى القدس ولا الى شبر من الارض المحتلة في فلسطين!
لكن هذه الشعارات أصيبت بمقتل عند اندلاع “طوفان الأقصى” الذي وضع ما يسمى بمحور “المقاومة” على المحك.. بدءاً من الفصائل العراقية وليس انتهاءاً بالمرشد الايراني الذي يتزعم هذا المحور ، ولم يُعرف عنه إلا التهديدات والمواقف الاعلامية الفجّة!
لقد أظهرت حرب غزة وما تعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة ، ان هذا المحور لم يكن الا “عربة فارغة تولد الضجيج” في طريق تحرير فلسطين! وإنه يؤثر السلطة على الشهادة، وان دعاة تحرير فلسطين لا حول لهم ولا قوة لان أمرهم بيد المرشد الايراني ، الذي ثبت انه مستعد للتضحية بآخر عراقي وسوري ولبناني ويمني من اجل الحفاظ على نظامه المجرم ، لا من اجل تحرير القدس!
ومحنة الفصائل الميليشياوية العراقية هي الاكبر بين جميع فصائل المحور الايراني، بحكم انها تدير دفة الحكم في العراق ، وانها غير مستعدة للتفريط بالمناصب والثروة الهائلة التي سيطرت عليها من اجل فلسطين مطلقاً!
ولذلك فهي تتخبط بين إلتزام الهدوء والتفرج على المذابح التي تجري في غزة، ورفع شعارات لا تسمن ولا تغني ، وتكتفي بقيام بعضها بعمليات من ورق لم تجرح مشاعر جندي امريكي او اسرائيلي واحد!
لقد أجهزت الحرب في غزة على كل الشعارات التي كان تتغنى بها “الميليشيات العراقية” التي تمسك بالسلطة اليوم، وسيواصل زعماء تلك الميليشيات “انبطاحهم” التام في قادم الايام، خاصة بعد ان بدأت اسرائيل بعمليات اغتيال نوعية تطال المؤثرين الفاعلين في الحرب ، وقبلها نفذ الجيش الامريكي عمليات تأديبية بحق كتائب حزب الله العراقية التي تحاول ان تشاكس بعمليات فاشلة تستهدف التواجد الامريكي في العراق وسوريا!
ولن تكون الفترة القادمة في صالح هذه الفصائل التي كشفت عورتها وبان هزالها وجبنها وتخاذلها، حتى وإن واصلت عمالتها وخنوعها “للمحتل” من تحت الطاولة!!
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية