لينا الخطيب : تداعيات “انتقام” الأردن من داعش
أعدم الأردن اثنين من الجهاديين المسجونين انتقاما لمقتل الطيار الملازم معاذ الكساسبة من قبل تننظيم الدولة الإسلامية. هذا الإعدام جاء بعد اعلان الأردن موافقته على الإفراج عن احدى الجهاديات، ساجدة الريشاوي، مقابل الطيار، بناء على الطلب الذي كان بثه تنظيم الدولة الإسلامية من خلال بيان فيديو تلاه أحد رهائن التنظيم اليابانيين. وأثار اصدار التنظيم لفيديو شنيع في 4 فبراير يظهر الكساسبة يحرق حيا القرار الأردني بتنفيذ الإعدام. إثر قيامه بذلك، جر الأردن نفسه بشكل أعمق في الصراع السوري واستعرض مزيدا من الضعف في الاستراتيجية المتبعة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي أنشئ لمحاربة الدولة الإسلامية.
ان الجهاديين الذين اعدمهما الأردن ليسا مرتبطين بنتظيم الدولة الإسلامية في شكله الحالي، ولكن بتنظيم القاعدة. فعلى سبيل المثال، احدهما هو زياد الكربولي، وهو مواطن عراقي كان على ارتباط بزعيم القاعدة الراحل أبو مصعب الزرقاوي والذي كان قد اعتقل في الأردن ثم حكم بالإعدام عام 2006. لذلك، ان تنفيذ الاعدام من قبل الاردن قد عزز، عن غير قصد، العلاقة بين القاعدة والدولة الاسلامية.
وهذا أمر مهم لأن المجموعتين منخرطتان في معارك على الموارد والشرعية منذ بدء الصراع السوري. فالدولة الاسلامية تحاول تقديم نفسها على أنها تنظيم القاعدة "الحقيقي"، مما حفز الأخيرة إلى زيادة أنشطتها العسكرية في جميع أنحاء العالم وكذلك داخل سوريا لتأكيد نفوذها. وعلى الرغم من إدانة جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وحشية الدولة الإسلامية، بدأت النصرة مؤخرا الانخراط في أنشطة مماثلة، مثل قطع الرؤوس وغيرها من أشكال العنف العلني. أحد الأسباب وراء ذلك هو أن النصرة قد شعرت باستحواذ الدولة الإسلامية، ولذا صعدت أعمال العنف لتأكيد وجودها في مواجهة منافستها. ولكن هناك سبب آخر وهو أن تصرفات التحالف الدولي الذي أنشئ لمحاربة الدولة الإسلامية قد دفع المجموعتين للتقارب.
فالضربات الجوية للتحالف في سوريا استهدفت كلا من النصرة والدولة الإسلامية، وبالتالي قدمت للمجموعتين عدوا مشتركا. كما حولت هجمات النظام السوري على الدولة الإسلامية التي تلت تقدم التنظيم في العراق في يونيو /حزيران 2014 موقف الدولة الإسلامية بعيدا عن النظام، وبذلك جعلت التنظيم أقرب من موقف جبهة النصرة، والتي ما زالت تعتبر محاربة نظام الأسد هدفها الأساسي. في منطقة القلمون على الحدود مع سوريا ولبنان، بدأت الدولة الإسلامية والنصرة التعاون ضد النظام السوري وحزب الله..
ساهم دعم التحالف غير الكافي للمعارضة السورية المعتدلة في المناطق الجنوبية من سوريا ليس فقط بضعف الجيش السوري الحر وتعرضه لهجوم من قبل كتائب النصرة ولكن أيضا بدفع بعض أعضاء الجيش الحر كما النصرة بالاتفاق على علاقة عمل تقوم على ضرورة مادية ويدعمها تقاسم هدف مشترك هو محاربة نظام الأسد. اليوم، تشهد عدة بلدات سورية على طول الحدود الجنوبية الغربية وجودا لجبهة النصرة. في الشمال، غيرت عدة مدن تحالفها من النصرة إلى الدولة الإسلامية نتيجة لعدة أسباب، من الخوف إلى الإكراه إلى تحقيق مكاسب مادية. الآن وقد تم دفع الدولة الإسلامية والنصرة نحو بعضها البعض بدرجة أكبر نتيجة لعمليات الإعدام الأردنية، من المرجح ان يحصل تحول مماثل في الولاء في البلدات الجنوبية السورية أيضا. إذا حدث ذلك، فالأردن، والذي له حدود مع جنوب سوريا، سوف يجد نفسه على عتبة الدولة الإسلامية بين ليلة وضحاها ..
هذا السيناريو يحمل أنباء سيئة للتحالف الدولي. فالجنوب هو المكان الذي يحتفظ فيه الجيش السوري الحر بقدر من السيطرة اكثر من أي مكان آخر في سوريا، وحيث يخطط التحالف العمل على تمكين المعارضة المعتدلة من خلال التدريب والتسليح. الاضطرار الى مواجة الدولة الإسلامية في المنطقة يحرف هذه الخطة. إن وجود الدولة الإسلامية في الجنوب أيضا يدفع الأردن إلى تصعيد مستوى انخراطه في الصراع السوري، فسيضطر إلى تغيير ماهية مشاركته من مؤيد للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في معارك التحالف ضد الدولة الإسلامية إلى أحد المشاركين البارزين في حرب المواجهة مع المنظمة. وهذا بدوره يؤدي الى مزيد من غوص ليس فقط هذين البلدين ولكن أيضا غيرهما من أعضاء التحالف في الحرب لمساعدة حليفهم الأردني في حربه ضد الدولة الإسلامية..
ومثل هذا التطور يبرز طبيعة استراتيجية التحالف تجاه الدولة الإسلامية المبنية على ردود الفعل لا الاستباق. وقد أظهرت عمليات الإعدام في الأردن بالفعل أن البلدان داخل التحالف ليس لديها استراتيجية موحدة للتعامل مع أزمات الرهائن وانها تتصرف بشكل متفرد وعلى عجل. كل هذا يصب في مصلحة الدولة الإسلامية، والتي اتضح انها كانت احتسبت تحركاتها بعناية في قضية الطيار الأردني، حيث انها كانت قد أعدمته منذ شهر كامل قبل أن تعلن خبر وفاته، وفي غضون هذه الفترة قامت بخداع الحكومة الأردنية من خلال المطالبة بالإفراج من ساجدة الريشاوي، الى ان حققت مخططها النهائي باذلال الاردن عبر بث شريط قتل الكساسبة..
اذا، يمثل انتقام الأردن تحولا كبيرا في الحرب ضد الدولة الإسلامية. إنه تحول من المرجح أن يغير طبيعة الجهات الفاعلة في الصراع السوري ، حيث تقوم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بالاقتراب من بعضها البعض. بل هو أيضا تحول من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات إقليمية ، حيث يجعل أعضاء التحالف الدولي في مواجهة مفتوحة مع تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية على نطاق أوسع من ذي قبل. في خضم كل هذا، فإن المعارضة السورية المعتدلة تصبح في خطر الانقراض. وبالتالي لا يستطيع التحالف الدولي ببساطة أن يواصل العمل في الصراع السوري من دون تنسيق، وخطط بعيدة الامد، واستراتيجية استباقية تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة لإنهاء الصراع من خلال خطة سياسية وعسكرية بدلا من رد الفعل على أساس الانتقام غير العقلاني والنشاط العسكري المحدود.
* مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. شغلت سابقاً منصب رئيسة برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، في مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون التابع لجامعة ستانفورد، وكانت أحد مؤسّسِيه.
المقال نشر في موقع شبكة سي ان ان
وكالة الصحافة الاوروبية بالعربية