إيران تفاوض الولايات المتحدة في عُـمان وتُهرِّب لوكلائها بالعراق “صواريخ أرض أرض” تصل لأوروبا؟!

كتب : د. علي الجابري
كشفت صحيفة “ذا تايمز البريطانية”، نقلاً عن مصادر استخبارية إقليمية، في تقرير نشر يوم الثلاثاء 8 ابريل 2025، ان النظام الايراني نقل للمرة الاولى، صواريخ (أرض – أرض) بعيدة المدى الى الميليشيات الشيعية الموالية لها في العراق، متحديةً بذلك تهديدات الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
وذكرت المصادر انه جرى تسليم الصواريخ، من بينها طرازات مثل “قدس واحد” و “جمال 69” القادرة على الوصول الى أوروبا، خلال الاسبوع الماضي عبر الحدود المشتركة بين البلدين، الى ميليشيات شيعية قوية مثل “ميليشيا كتائب حزب الله” و “أنصار الله” التي تعد جزءاً مما يسمى بـ” المقاومة الاسلامية في العراق”، وتم تنسيق العملية من قبل سلاح الجو التابع للحرس الثوري الايراني.
نقل الصواريخ تم بالتزامن تهديد الرئيس دونالد ترامب بأن فشل المفاوضات مع ايران سيجعل ذلك يوماً سيئاً جداً لطهران، وتأكيده على أن ايران يجب ان تتحمل عواقب أعمال وكلائها في حال فشل المفاوضات، وان الوكلاء لن يكونوا بمنأى عن الرد الامريكي، وهو ما تأكد من خلال مقتل القيادي الحوثي عبد الناصر الكمالي خلال غارة امريكية على اليمن .
تصعيد خطير
هذه الطرازات المتطورة من الصواريخ، لم تُسلَّم سابقاً الى الميليشيات الشيعية الموالية لايران، ما يشير الى الاستعداد لتصعيد لافت من قبل النظام الايراني لدعم وكلائه في العراق، تحسباً لأي هجوم أمريكي على ايران، بالتزامن مع دخولها مفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية بخصوص برنامجها النووي والصاروخي.
وتستخدم ايران منذ سنوات، الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا كخط دفاع متقدم في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية، والان اصبح التعويل عليها بشكل اكبر، بعد هزيمة حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الاسد في سوريا.. ولربما كانت ايران الى وقت قريب لا تثق بمنح الميليشيات الشيعية العراقية مثل هذه الصواريخ المتطورة التي كانت لا تمنحها الا لحزب الله اللبناني والحوثيين.
مخاوف وانقسام بين الميليشيات العراقية

الميليشيات الشيعية العراقية التي تمتلك ترسانات كبيرة تشمل صواريخ بعيدة المدى وانظمة دفاع جوي وطائرات انتحارية، تعيش مرحلة تتسم بالحذر والخوف والرعب من مخططات امريكية لاستهدافها وانهاء وجودها، وهناك انقسام كبير بينها حول كيفية التعامل مع التهديدات الامريكية.. لكن بعض هذه الميليشيات اضطرت للدخول في مفاوضات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتقليص نشاطاتها المسلحة، مقابل دمجهم في العملية السياسية، لكن على ما يبدو ان ايران تحاول تعزيز دعمها العسكري لوكلائها في العراق لمنعهم من الإنخراط في التسوية السياسية مع الولايات المتحدة عن طريق الحكومة العراقية!
ويُعتقد ان بعض زعماء الميليشيات الشيعية، يفضلون الاحتفاظ بالدعم الايراني، لإستخدمه كورقة تفاوض، لا للاستمرار في مواجهات مفتوحة باهظة التكاليف.. في الوقت الذي حذرت فيه مصادر استخبارية إقليمية من أن الولايات المتحدة الامريكية قد ترد بضربات جوية، إذا لم تتخذ الحكومة العراقية إجراءات جدية لحل هذه الميليشيات.
بالمقابل يشير “ويليام البيرق” الزميل في مركز “ستيمبسون” في تصريح لصحيفة “ذا تايمز” ان إيران لن تتخلى بسهولة عن هذه الادوات المفيدة، لانها توفر لها القدرة على زعزعة الإستقرار وفتح قنوات للتهريب والجريمة المنظمة في مناطق النفوذ غير الخاضعة للدولة.
ومؤخراً، تلقى زعماء الميليشيات العراقية تعليمات من فيلق القدس الايراني التابع للحرس الثوري بتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لتلافي أي تصعيد كارثي، على الاقل لحين إنجلاء الضباب عن نتيجة المفاوضات الايرانية الامريكية المباشرة في سلطنة عمان التي ستُقرِّر موقف وكلاء إيران النهائي، سواء بالتهدئة او التصعيد.
نزع السلاح حقيقة أم مناورة
بالمقابل نشرت وكالة رويترز تقريراً يؤكد إستعداد الميليشيات العراقية لنزع سلاحها، لتجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية، وهو أمر يتناقض تماماً مع الكشف عن تلقيها أسلحة أكثر تطوراً في الايام الاخيرة، ويعكس نفاقاً واضحاً لديها، يسعى لتضليل الرأي العام في العراق، الذي ينتظر ساعة الخلاص من هذا السلاح المنفلت والمأجور.
وفي الوقت نفسه فإن تقرير رويترز الذي يتحدث عن نزع سلاح الميليشيات، لا يعدو عن كونه كذبة، وذر للرماد في العيون، فالفصائل المسلحة أو الميليشيات التي يتم الحديث عنها، هي منخرطة أيضاً في صفوف “الحشد الشعبي” الذي يعد مؤسسة رسمية عسكرية عراقية، وتتلقى تمويلاً من الدولة بمسميات اخرى، فعلى سبيل المثال فإن اللواء 12 التابع للحشد هو عبارة عن ميليشيا “النجباء” الذي يتزعمه اكرم الكعبي”، وتنخرط كتائب حزب الله في الحشد تحت مسمى الألوية 45 و 46 و 47 ، بينما تتمثل “ميليشيا سيد الشهداء” باللواء 14 في الحشد الشعبي! أما “ميليشيا عصائب اهل الحق- AHH” التي يتزعمها قيس الخزعلي، فهي ممثلة من خلال إدارة اللجنة المركزية للحشد الشعبي والألوية 41 ، 42، 43، وكتائب الامام علي توجد تحت مسمى اللواء 40، اما فيلق بدر الذي يتزعمه هادي العامري، فيتمثل في الالوية التابعة للحشد، اللواء الاول والثالث والرابع والخامس والتاسع والعاشر والحادي والعشرين والثاني والعشرين والثالث والعشرين والرابع والعشرين والسابع والعشرين والسادس والثلاثين والثاني والخمسين والثالث والخمسين.. أما ميليشيا “سرايا الخراساني فهي ممثلة باللواء الثامن عشر ولواء علي الاكبر ممثلاً باللواء الحادي عشر وسرايا عاشوراء ممثلة باللواء التاسع!
ولابد من الاشارة الى ان تلك الميليشيات من غير الممكن أن تُفرِّط بالدعم المالي الكبير الذي تحصل عليه من الدولة العراقية سنوياً، والذي بلغ 2.6 مليار دولار من ميزانية العام 2024، فضلاً عن الشركات الاقتصادية التابعة للحشد، مثل شركة المهندس، ومصادر دخل غير قانونية مثل الضرائب غير المشروعة التي تجلب لها 300 الف دولار دولار يومياً وإيرادات الجمارك المحرفة التي تولد حولي عشرة مليارات دولار سنوياً، وتجارة تهريب المخدرات وغيرها، فضلاً عن الدعم الايراني بالمال والسلاح.
إنعكاسه على المفاوضات الايرانية الامريكية

لقد جاء الكشف عن تسليح ايران لوكلائها في العراق بالصواريخ بعيدة المدى، ليشكل ضربة للنوايا الايرانية، ويشكك بجهودها الدبلوماسية، من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية، فهي تُبدي مرونةً ظاهرية في المفاوضات، بينما تعزز وجودها العسكري في العراق، في محاولة لتحسين موقفها التفاوضي أو كسب الوقت.
النوايا الايرانية وإزدواجية الخطاب والفعل، ليست خافية عن الولايات المتحدة الامريكية، وهو ما قد يؤدي الى فشل المفاوضات بعد أن يَثبُت للعالم ان محاولات ردع ايران باءت بالفشل. أو تتمكن الولايات المتحدة من جبإار ايران فعلياً على تقييد برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي، وتتخلى عن دعمها للميليشيات العراقية، وتنهي وجودها بالكامل.
وغير بعيدٍ عن أجواء المفاوضات الإيرانية الأمريكية، تستمر الحكومة العراقية في مفاوضات جانبية مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، لتجنب الإنجرار الى الصراع، لكنها لن تكون قادرة على تحييد تلك الميليشيات ما لم تكن تلك الخطوة بقرار من الحرس الثوري الايراني الذي يملك قرار السلم والحرب لتلك الميليشيات، وليس الحكومة العراقية، التي لا يتعدى دورها الوسيط بينها وبين الولايات المتحدة، لمنع تعرضها للهجوم.. لذلك فإن بعض تلك الميليشيات أعربت عن استعدادها لنزع سلاحها جزئياً لإرضاء الولايات المتحدة.
سيناريوهات الايام القادمة
على ما يبدو فإننا أمام ثلاثة سيناريوهات خلال الايام المقبلة وهي كالتالي:
- إستمرار التصعيد الايراني من خلال الاستمرار في تسليح وكلائها في العراق، في ذات الوقت الذي تتفاوض فيه مع الولايات المتحدة، وقد تعمل في هذه الاثناء لكسب الوقت لتطوير بعض قدراتها الصاروخية مثل صواريخ “سجيل” و “خرمشهر” بعيداً عن الرقابة.
- فشل المفاوضات وتفجّر الأوضاع بسرعة، ما قد يؤدي الى هجمات صاروخية من قبل الميليشيات المزودة بصواريخ ايرانية بعيدة المدى، مقابل هجمات امريكية مقابلة، كما يحدث في اليمن حالياً، وهذا السيناريو هو الافضل للمنطقة رغم خسائره الكبيرة المتوقعة، لأنه بالنهاية سيؤدي الى إنهاء قوة الميليشيات الإيرانية في العراق وتدمير سلاحها.
- هناك إحتمال التوصل الى تسوية هشة، تتضمن إتفاقاً على وقف برامج التسلح الايرانية والتهدئة في المنطقة، مقابل تخفيف العقوبات عن ايران، وهو أمر يسعى له نظام خامنئي، لان العقوبات الإقتصادية تسببت في إنهاك الإقتصاد، وتراجع قيمة العملة وإنخفاض متوسط الدخل الشهري للإيرانيين الى 172 دولار شهرياً.
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية
أقرأ أيضاً : د. علي الجابري :قـانـون تحـريـر العـراق من ايـران.. هل التـاريخ يعـيـد نفسه؟