آراء

عاطف الغمري: وثيقة بريطانية تفسر ما يجري في سوريا

استدعى انتباهي موقف أمريكا وحلفائها، الذي بدا وكأنه حملة لإضفاء لمسات تجميلية على تنظيمات معروف سجلها عالمياً بأنها إرهابية، وتنتمي إلى «داعش»، و«القاعدة»، ومنها ما يسمى «هيئة تحرير الشام» و«الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» وغيرها، ثم ما حدث من زحف قتالي مسلح لهذه التنظيمات على المدن الرئيسية السورية، تمهيداً للهجوم على دمشق، وما ظهر من تجهيز أفرادها بنوعيات من السلاح، من المدفعية، والعربات المصفحة، والصواريخ، وأجهزة الاتصالات المتقدمة، التي لا تتوافر إلا إلى جيوش الدول المتقدمة.

وبحثاً عن تفسير لذلك، فقد عثرت على وثيقة بريطانية، عنوانها «الميليشيات المقاتلة في الحرب في الشرق الأوسط»، والتي كشف عنها البروفيسور سيبل شيبرز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أندرس، وكان المصدر الرئيسي لصياغة هذه الوثيقة هو وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، الذي شرحها في عام 2014، وقال: «إنه يمكن الفوز في حرب بالشرق الأوسط، باستخدام ميليشيات محلية، وليس بالاستخدام المباشر للجيوش الأمريكية، والبريطانية، بدلاً من إرسال قوات برية»، فإن الغرب يحصر دوره فـــي تدريب وتجهيز هذه الميليشيات المحلـــية، وتعزيز قدراتها، ويمكن للغرب فـــي هــذه الحرب، استخدام منظمات لها توجهات معتـــدلة، تكـــون متمـــردة علـى النظام.
ولم يكن بعيداً عن هذه الوثيقة، ما جرى من إضعاف قدرات الدولة الوطنية، وتفكيك الجيش الوطني للدولة، والذي يمثل صمام الأمن للدولة الوطنية بشكل عام، وهو الدور الذي تلعبه المنظمات، التي ارتبطت عقائدياً بـ«داعش» و«القاعدة»، والتي مزقت الروابط بين أجزاء الدولة السورية، بسيطرة كل منها على منطقة.

جميع هذه المنظمات سبق للولايات المتحدة أن وصفتها بأنها فروع لـ«داعش» و«القاعدة»، وأنها من أكثر التنظيمات وحشيةً في التاريخ الحديث، حسبما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم راحت فجأة منصات الإعلام في بعض دول الغرب، تقدم برامج لتحسين صورة هذه المنظمات، بإضفاء مسميات مختلفة عليها، مثل وصفها بـ «المعارضة المسلحة»، ثم اللقاء التلفزيوني الذي أذاعته شبكة «سي إن إن» لقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

كانت الصورة التي ظهرت بها هذه التنظيمات فجأة، وهي مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة والتدريب بعد كُمُونها لمدة أربع سنوات، يؤكد ما اتفق عليه كثير من المراقبين لما يجري، بأنه جاء تنفيذاً لخطة مجهزة، لكنها في انتظار الظروف التي تهيّئ لهذه الميليشيات توجيه ضربة قاصمة للنظام في دمشق.
وبعد أن يتم إصابة المواقع المساندة للنظام السوري بالتفكك، وهو ما شمل توجيه ضربات مكثفة ضد حزب الله في لبنان، والذي كانت وحدات من أفراده تساند النظام في سوريا، وتقليص إيران لوجودها العسكري هناك، وهو ما أتاح للميليشيات المسلحة الهجوم على دمشق.
ولا خلاف على أن مفهوم الدولة الوطنية كان مستهدفاً من أطراف خارجية، بدءاً من حرب العراق والعمل على تمزيق وحدة الدولة داخلياً، ثم جاءت الحلقة الثانية بالتركيز على سوريا.
كانت خطة استهداف الدولة الوطنية تبدأ بهجمات منظمة ضد الجيش الوطني أولاً، وبالتركيز المكثف وهو ما سبق أن كشفت عنه أكاديمية الحرب الأمريكية تحت مسمى «حدود الدم.. نحو شرق أوسط أفضل»، بإعادة رسم خريطة الحدود بين دول المنطقة.
هذا العرض بكامل تطوراته يرجع بنا إلى نقطة البداية، ممثلة في وثيقة وزارة الدفاع البريطانية القائلة: «إن الحرب في الشرق الأوسط يمكن الفوز فيها، باستخدام ميليشيات محلية، وليس عن طريق جيوش أمريكية أو بريطانية».
إن الشواهد المتلاحقة راحت تأتي بما يلقي الضوء على الدور الأمريكي، وتحديداً ما جرى من ترتيبات مسبقة مع هيئة تحرير الشام، للزحف العسكري في سوريا في التوقيت المناسب، وهو ما كشفته بوضوح وسائل إعلام عالمية بقولها نقلاً عن مصادر مطلعة في البلدين من «أن الولايات المتحدة وبريطانيا في طريقهما لرفع اسم هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، فهي مسجلة كإرهابية في الولايات المتحدة، ومحظور وجودها في بريطانيا بوصفها إرهابية».
الآن راحت تعلو أصوات دولية عاقلة منها: الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، وغيرها، تنادي بإشراك القوى الوطنية السورية على اختلافها في عمل منظم، لانتقال السلطة بشكل سلمي، وباختيار من الشعب السوري ذاته في انتخابات حرة.

زر الذهاب إلى الأعلى