اسرار خطيرة

كواليس ساعات الأسد الأخيرة في سوريا

دمشق – رويترز
لم يطلع بشار الأسد أحداً تقريباً على خططه للذهاب من سوريا عندما كانت أركان الدولة تتداعى، بل أصبحت الأمور تسير في الخفاء وتحت غطاء صلب من السرية حتى عن أقرب مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقاربه أو لم يتم إعلامهم بالأمر على الإطلاق، وذلك بحسب ما قاله أكثر من 10 أشخاص على دراية بالأحداث لرويترز.
فقد أكد الأسد، قبل ساعات من هروبه إلى موسكو، لنحو 30 من قادة الجيش والأمن في وزارة الدفاع في اجتماع، يوم السبت، أن الدعم العسكري الروسي قادم في الطريق وحث القوات البرية على الصمود، وفقاً لقائد حضر الاجتماع وطلب عدم الكشف عن هويته.
ولم يكن الموظفون المدنيون على علم بشيء أيضاً، فقد قال مساعد من دائرته المقربة: إن الأسد أبلغ مدير مكتبه يوم السبت عندما انتهى من عمله بأنه سيعود إلى المنزل ولكنه توجه بدلاً من ذلك إلى المطار.
وأضاف المساعد، أن الأسد اتصل أيضاً بمستشارته الإعلامية بثينة شعبان وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة كلمة له، وعندما وصلت، لم يكن هناك أحد.
وقال نديم حوري المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي وهي مؤسسة بحثية إقليمية «لم يبد الأسد أي مقاومة، ولم يحشد قواته».
وطلبت أغلب المصادر، التي تضم مساعدين في الدائرة الداخلية للرئيس السابق ودبلوماسيين إقليميين ومصادر أمنية ومسؤولين إيرانيين كباراً، حجب هوياتهم لمناقشة المسائل الحساسة بحرية.
وقال ثلاثة مساعدين: إن الأسد لم يبلغ حتى شقيقه الأصغر ماهر، قائد الفرقة المدرعة الرابعة، بخطة خروجه، وقال أحدهم: إن ماهر غادر بطائرة هليكوبتر إلى العراق ثم إلى روسيا.
وعلى نحو مماثل، ترك الأسد وراءه ابني خاله إيهاب وإياد مخلوف عندما سقطت دمشق في أيدي الفصائل المسلحة، حسبما قال مساعد سوري ومسؤول أمني لبناني، وأضافا أن الاثنين حاولا الفرار بسيارة إلى لبنان لكنهما وقعا في كمين على الطريق نصبه مقاتلو المعارضة الذين أطلقوا النار على إيهاب وقتلوه وأصابوا إياد، ولم يرد تأكيد رسمي لوفاة إيهاب ولم تتمكن رويترز من التحقق من الحادث على نحو مستقل.
من اللاذقية إلى موسكو

وقال دبلوماسيان إقليميان: إن الأسد غادر دمشق يوم الأحد الثامن من ديسمبر كانون الأول بطائرة اختفت من على الرادار بعد إغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال، وذلك بعدما بدت تتوسع مناطق سيطرة الفصائل المسلحة واقتحامهم للعاصمة.
وتوجه الأسد بالطائرة إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، ومن هناك إلى موسكو، وكان أفراد أسرة الأسد، زوجته أسماء وأبناؤهما الثلاثة، في انتظاره بالفعل في العاصمة الروسية، بحسب ثلاثة مساعدين مقربين ومسؤول إقليمي كبير.
وتشير مقاطع مصورة لمنزل الأسد، التقطها مقاتلو الفصائل المسلحة ومواطنون احتشدوا في المجمع الرئاسي بعد رحيله ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أنه غادر على عجل، إذ ظهرت الأطعمة المطهوة التي تركت على الموقد والعديد من المتعلقات الشخصية التي تركها خلفه، مثل ألبومات الصور العائلية.
وقال أشخاص أجرت رويترز مقابلات معهم: إن صعوبة وصول الدعم العسكري من الحلفاء للجيش السوري، اتضح للرئيس السابق في الأيام التي سبقت مغادرته، عندما سعى للحصول على المساعدة من مختلف الجهات في سباق يائس لوقف زحف الفصائل نحو العاصمة وبقية المدن.

وقال ثلاثة دبلوماسيين إقليميين: إن الأسد زار موسكو في 28 نوفمبر / تشرين الثاني، بعد يوم من هجوم قوات الفصائل على محافظة حلب في الشمال، لكن دعواته للدعم لم تلق آذاناً في الكرملين الذي لم يكن راغباً في التدخل في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.
وقال هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني السوري في الخارج، نقلاً عن مصدر داخل الدائرة المقربة من الأسد ومسؤول إقليمي: إن الأسد لم ينقل حقيقة الوضع إلى مساعديه، وأضاف البحرة «أبلغ قادته ومساعديه بعد زيارته لموسكو أن الدعم العسكري قادم، رغم أن الرسائل كانت سلبية».
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين، يوم الأربعاء: إن روسيا بذلت الكثير من الجهود في المساعدة على استقرار سوريا في الماضي لكن أولويتها الآن هي الصراع في أوكرانيا.

وبعد أربعة أيام من تلك الرحلة، في الثاني من ديسمبر / كانون الأول، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالأسد في دمشق، وبحلول ذلك الوقت، كانت الفصائل المسلحة قد سيطرت على حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، وكانت تتقدم جنوباً مع انهيار القوات الحكومية.
وقال دبلوماسي إيراني كبير لرويترز: إن الأسد كان منزعجاً بشكل واضح خلال الاجتماع، واعترف بأن جيشه ضعيف لدرجة لا تسمح له بأي مقاومة فعالة.
لكن اثنين من المسؤولين الإيرانيين الكبار قالا: إن الأسد لم يطلب مطلقاً من طهران نشر قوات في سوريا، وأضافا أنه كان يفهم أن إسرائيل قد تستخدم أي تدخل من هذا القبيل كذريعة لاستهداف القوات الإيرانية في سوريا أو حتى إيران نفسها.

انهيار حكمه
رأي الأسد في نهاية المطاف أن انهيار حكمه بات حتمياً وقرر مغادرة البلاد لينتهي بذلك حكم عائلته الذي بدأ في عام 1971.
وقال دبلوماسي روسي طلب عدم ذكر اسمه: إن موسكو لم تكن مستعدة للتخلي عن الأسد رغم عدم رغبتها في التدخل العسكري، وذكر مسؤولان إقليميان أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حضر منتدى الدوحة يومي السبت والأحد، قاد الجهود الدبلوماسية لتأمين سلامة الأسد عبر التواصل مع وسطاء للاستفادة من علاقاتهما بهيئة تحرير الشام لتأمين خروج الأسد الآمن إلى روسيا.
وقال مصدر أمني غربي: إن لافروف فعل «كل ما في وسعه» لضمان رحيل الأسد بسلام.
وأوضحت ثلاثة من المصادر، أن قطر وتركيا اتخذتا ترتيبات لتسهيل خروج الأسد، كما أوضحت ثلاثة من المصادر، أن موسكو نسقت أيضاً مع دول مجاورة للتأكد من عدم اعتراض أو استهداف طائرة روسية تغادر المجال الجوي السوري وعلى متنها الأسد.
وقال مسؤول حكومي تركي: إنه لم يكن هناك طلب روسي لاستخدام المجال الجوي التركي لمصلحة رحلة الأسد، رغم أنه لم يتطرق إلى ما إذا كانت أنقرة قد عملت مع هيئة تحرير الشام لتسهيل خروجه.

وقال محمد الجلالي، آخر رئيس وزراء في عهد الأسد: إنه تحدث معه عبر الهاتف يوم السبت في العاشرة والنصف مساءً.
وتحدث الجلالي إلى وسائل إعلام حول المكالمة الأخيرة بينه وبين الأسد قائلاً: «أخبرته بصعوبة الأوضاع وأن هناك نزوحاً شديداً من مدينة حمص باتجاه اللاذقية، وأن هناك آلاف السيارات التي تغادر حمص باتجاه الساحل السوري، وأن هناك حالة من الهلع والرعب في الشارع».
وأضاف الجلالي في حديثه «قالي بكرة بنشوف»، وأوضح أنه حاول الاتصال بالأسد مجدداً بحلول فجر الأحد لكنه لم يرد.

زر الذهاب إلى الأعلى