“ملك الدولار”.. قصة العراقي الذي استغل المركزي الأمريكي لتحويل أموال إلى إيران
كشف تقرير أمريكي أن عملية بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لنقل عائدات النفط من بغداد افتقرت إلى ضمانات أساسية لمكافحة غسيل الأموال، مما أدى إلى تحويلات غير مشروعة مولت الجماعات الإرهابية لسنوات.
بنوك غلام كانت من بين أكثر من عشرين بنكاً عراقياً متورطاً في تحويل الدولارات إلى إيران
وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن علي غلام كان “ملك الدولار” بلا منازع في العراق لمدة عقد من الزمان تقريباً.
وحولت مصارفه الثلاثة في بغداد عشرات المليارات من الدولارات خلال تلك الفترة خارج البلاد، ظاهرياً لقطع غيار السيارات والأثاث وغير ذلك من الواردات، وهو كان أحد أكبر المشغلين في نظام مصرفي مؤقت تم إنشاؤه قبل حوالي عقدين من الزمان تحت الاحتلال الأمريكي والذي أعطى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك دوراً رئيسياً في معالجة المعاملات الدولية للعراق.
أغلق النظام سريعاً
ولكن عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيراً في النظر عن كثب إلى أين تذهب الأموال، أغلق ذلك النظام سريعاً.
ويشتبه المسؤولون الأمريكيون في أن بنوك غلام كانت بين أكثر من عشرين بنكاً عراقياً متورطاً في تحويل الدولارات إلى إيران وحلفائها من الميليشيات، باستخدام شركات واجهة وفواتير مزورة للالتفاف على العقوبات التي تمنع إيران من النظام المالي العالمي.
وتكشف عمليات التدقيق في مصارف غلام التي اكتملت في مايو (أيار)، عن تفاصيل غير عادية لمعاملات الدولار الخارجية التي قال المدققون إنها أثارت مخاوف غسيل الأموال. ونفى غلام في المقابلات هذه المزاعم.
وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن 80% من التحويلات المالية بالدولار التي تتدفق عبر البنوك العراقية في بعض الأيام، والتي تجاوزت قيمتها 250 مليون دولار، كانت غير قابلة للتتبع، وذهب جزء من هذا المبلغ سراً إلى الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والميليشيات المعادية للولايات المتحدة التي يدعمها.
فيلق القدس
وأبلغ مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية مسؤولين عراقيين في اجتماع ببغداد في يناير (كانون الثاني) أن البنوك العراقية “استغلت عمداً” وصولها إلى الدولارات الأمريكية لدعم فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، وكذلك الميليشيات العاملة في العراق والتي تدعمها الحكومة الإيرانية، وفقاً لمسؤولين أمريكيين مطلعين على المناقشات.
وقال براين نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، لمسؤولي البنك المركزي العراقي في الاجتماع، إن الميليشيات كانت متورطة في “هجمات مستمرة” على القوات الأمريكية، بما في ذلك بعض الهجمات التي تسببت في سقوط ضحايا.
وقال نيلسون في مقابلة مع الصحيفة إن الولايات المتحدة اتخذت إجراءات لمنع البنوك العراقية المشتبه بها من استخدام نظام بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحويل الدولارات، لافتاً إلى أنه “كان من المهم لوزارة الخزانة ضمان عدم تحويل هذه الأموال لدعم النظام الإيراني”.
ورفض نيلسون، الذي ترك وزارة الخزانة في أغسطس(آب)، من خلال متحدثة باسمه مناقشة محادثاته مع المسؤولين العراقيين.
احتيال محتمل
وبدأت الحملة على البنوك العراقية في أواخر عام 2022 بعد أكثر من عقد من التقاعس الأمريكي، حتى بعد تحذيرات المفتش العام للبنتاغون منذ عام 2012 من الاحتيال المحتمل بما يصل إلى 800 مليون دولار أسبوعياً.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن الولايات المتحدة نفذت على مر السنين قيوداً مؤقتة على التدفقات النقدية إلى العراق، لكنهم يخشون أن تؤدي الضوابط الصارمة أو الدائمة إلى إغراق العراق في الفوضى الاقتصادية وعرقلة معركته ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
بالنسبة لإيران التي فرضت عليها عقوبات بسبب نشاطها النووي غير المشروع ودعمها للإرهاب، فإن الوصول إلى الدولارات أمر بالغ الأهمية لشراء الأسلحة وأجزاء الطائرات بدون طيار والصواريخ، وتمويل الجماعات المسلحة التي تدعمها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حسب قول مسؤولين أمريكيين.
وتشمل هذه الجماعات حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهي الجماعات التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها جماعات إرهابية.
نظام خاص
وبعد غزو العراق في عام 2003، وافقت واشنطن على الاحتفاظ بأرباح العراق من مبيعات النفط ــ عشرات المليارات سنوياً ــ في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
ولتوزيع العائدات مرة أخرى على العراق، بدأ البنك في شحن الدولارات نقداً إلى بغداد ومعالجة التحويلات السلكية التجارية من البنوك الخاصة العراقية للتجارة الدولية، على أمل إحياء اقتصادها المحطم بعد سنوات من الحرب والعقوبات.
وكان النظام المخصص يفتقر إلى فحص أساسي قياسي في الخدمات المصرفية الدولية: فهو لم يطلب من البنوك الكشف على وجه التحديد عن هوية الجهة التي تحصل على الأموال التي كانت ترسلها إلى خارج العراق.
وفي الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى، تستخدم البنوك التي تسعى إلى نقل الأموال دولياً نظام مراسلة آمناً، يُعرف باسم سويفت.
وتقوم الخدمة التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها بتوجيه الرسائل بين البنوك، وتحديد المبلغ والمستلم المقصود. وهي تتعامل مع ملايين تعليمات الدفع اليومية عبر أكثر من 200 دولة ومنطقة و11000 مؤسسة مالية.
ويوافق كل بنك في سلسلة الرسائل أو يرفض التحويل بعد مراجعة تهدف إلى الحد من غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب أو أي نشاط احتيالي آخر.
بعد عقود من العقوبات، لم يكن لدى البنوك الخاصة العراقية الاتفاقيات اللازمة مع البنوك الأجنبية الكبرى لإجراء التحويلات السلكية الدولية باستخدام نظام سويفت القياسي للمعاملات التجارية.
بدلاً من ذلك، بدأت الولايات المتحدة والبنك المركزي العراقي في استخدام نوع مختلف من رسائل سويفت المستعملة عادةً لنقل الأموال بين البنوك. نظراً لأن التحويلات من بنك إلى بنك تعتبر أقل خطورة بكثير من تلك بين العملاء التجاريين، فإن الرسائل لا تتطلب الكشف عن المتلقي النهائي للتحويلات السلكية.
غلام ينفي
غلام البالغ من العمر 42 عاماً، والمقيم الآن في لندن، كان يدير إمبراطورية تعاملت مع الحصة الأكبر من الدولارات المحولة خارج العراق، وفي بعض الأيام كانت تصل إلى 20% من التحويلات البرقية، كما قال هو ومسؤولون مصرفيون عراقيون.
ونفى غلام في حوار مع “وول ستريت جورنال”، أن البنوك التي يتعامل معها أرسلت أموالاً عن علم إلى فيلق القدس أو الحكومة الإيرانية. وقال: “الأمريكيون ليس لديهم أي شيء ضدي، ليس لدي أي علاقة بغسل الأموال أو إيران”.
وقال إن حياته في لندن، حيث يعيش هو وعائلته بعد انتقاله من بغداد في عام 2018، انقلبت رأساً على عقب منذ انقطاع الدولار الأمريكي، ويقع منزله الذي تكلف 40 مليون دولار، والذي تم تجديده مؤخراً بأرضيات رخامية لامعة وحوض سباحة في الطابق السفلي وقفص للببغاء، على بعد بضعة مبانٍ فقط من مقر إقامة السفير الأمريكي، بعد ممارسة رياضة المشي، غالباً ما يتوجه إلى مطاعم لندن المفضلة في سيارته رولز رويس ذات الدفع الرباعي، وقال غلام: “النظام سيئ، لكن كل بنك في العراق كان يعمل تحت نفس النظام، لماذا جاء الأمريكيون بهذا النظام؟”.