تحقيقات ومقابلات

خوفاً من ترامب.. أوروبا تعود للتجنيد الإجباري

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، تبدو الأوضاع المتوترة في أوروبا أكثر تعقيداً واضطراباً إذا ما عاد الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض، وهو الذي هدّد بالفعل بعدم الدفاع عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

ومن بريطانيا إلى فرنسا، وحتى ألمانيا، يدرس العديد من الحلفاء فكرة عودة التجنيد الإجباري، بينما ثلث الدول الأعضاء في الناتو لديها اليوم نموذج من أشكال الخدمة العسكرية الإلزامية، فيما لا يزال الأمر غير مرغوب فيه في بعض الدول.

حشد 300 ألف جندي

ردّاً على التهديد المُتزايد من موسكو، قام حلف شمال الأطلسي بمراجعة استراتيجيته وتعزيز قدراته على مدى العقد الماضي، لكنّ الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في عام 2022، دفع الحلفاء إلى إعادة تقييم ما إذا كانوا مُستعدين للحرب.

وعلى الرغم من تأكيد الحلف على استعداده للقتال فوراً، ووضع قواته في حالة تأهب قصوى حالياً، إلا أنّ هناك دعوات لزيادة القُدرات بشكل أكبر وأسرع.

وفي تصريحات لقناة “سي.إن.أن” يكشف شون موناغان، الزميل الزائر في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة، أنّ هناك تساؤلات حول ما إذا كان الحلفاء مُستعدّين لحرب طويلة الأمد مثل تلك الدائرة في أوكرانيا، مُشيراً إلى أنّه لا يزال هناك عمل يتعيّن القيام به على صعيد القُدرة الصناعية، والإنفاق الدفاعي، والدور المُجتمعي بما في ذلك ملف التجنيد الإجباري.

ويؤكد موناغان أنّ حلف شمال الأطلسي يواجه صعوبة في تحقيق هدفه الجديد المُتمثّل في توفير 300 ألف فرد جاهزين للعمليات العسكرية في غضون شهر واحد، وذلك بالإضافة إلى نصف مليون فرد مُقاتل مُتاحين في غضون ستة أشهر.

انعدام الثقة في ترامب

لكن وبينما أعلن الناتو أنّه حقق هذا الهدف بالفعل اعتماداً على القوات الأمريكية بشكل رئيس، قال الاتحاد الأوروبي إنّ أعضاءه سوف يواجهون صعوبات في تحقيق ذلك، في قلق على ما يبدو من إمكانية الاعتماد على الجيش الأمريكي حال وصول ترامب للرئاسة من جديد.

ويتعيّن على الحلفاء الأوروبيين إيجاد طرق جديدة لتوفير المُقاتلين، وفقاً لما ذكره موناغان بالإشارة إلى أنّ هناك مشكلة أخرى تتمثل في أنّ هذا الهدف لن يسمح لحلف شمال الأطلسي إلا بخوض صراع قصير نسبياً لا يتجاوز 6 أشهر.

التجنيد الإجباري

وسط هذه المخاطر والتحدّيات، أعادت العديد من الدول الأوروبية فرض الخدمة العسكرية الإلزامية أو توسّعت في نطاقها، وذلك كجزء من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تعزيز الدفاعات.

الضابط السابق في الجيش الأمريكي روبرت هاملتون، رئيس أبحاث أوراسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، يقول لقناة “سي.إن.إن” “لقد وصلنا إلى إدراك أننا قد نضطر إلى تعديل الآلية التي نحشد بها للحرب وتعديل الطريقة التي نُنتج بها المُعدّات العسكرية ونُجنّد ونُدرّب الأفراد”.

وأضاف “من المؤسف أننا هنا في عام 2024، ونحن نتصارع مع أسئلة حول كيفية تعبئة ملايين الأشخاص ليتم إلقاؤهم في مجازر حرب مُحتملة، ولكن هذا هو المكان الذي وضعتنا فيه روسيا”.

تحذير للناتو

من جهته، قال الجنرال المُتقاعد ويسلي كلارك، الذي شغل منصب القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، “إنّ مخاطر اندلاع حرب أكبر في أوروبا تزايدت.. وليس من الواضح ما إذا كانت هذه حرباً باردة جديدة أم حرباً ساخنة ناشئة، ولكنها بمثابة تحذير وشيك للغاية لحلف شمال الأطلسي بأننا لا بدّ وأن نُعيد بناء دفاعاتنا”.

ويرى كلارك الذي قاد قوات حلف شمال الأطلسي أثناء حرب كوسوفو، أنّ هذه الجهود يجب أن تشمل التجنيد الإجباري الذي أوقفته عدد من الدول الأوروبية بعد نهاية الحرب الباردة، ولكنّ العديد منها، خاصة الدول الاسكندنافية ودول البلطيق، أعادت فرضه في السنوات الأخيرة، ويرجع هذا إلى حدّ كبير إلى التهديد الروسي. وقد يؤدي عدم التجنيد إلى فرض غرامات أو حتى السجن في بعض البلدان.

وتُعتبر لاتفيا أحدث دولة تُطبّق نظام التجنيد الإجباري، فقد أعيد فرض الخدمة العسكرية الإلزامية هناك في بداية العام 2024. وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي، قدّمت النرويج خطة طموحة طويلة الأجل من شأنها أن تُضاعف ميزانية الدفاع في البلاد وتُضيف أكثر من 20 ألف جندي وموظف واحتياطي إلى القوات المسلحة. وتُثير كرواتيا إمكانية إعادة تفعيل التجنيد الإجباري في عام 2025.

في ألمانيا، التحوّل الأكبر

كما دارت مناقشات حول التجنيد الإجباري في بلدان أوروبية أخرى لا تشترطه حالياً، ففي المملكة المتحدة، طرح المحافظون فكرة الخدمة العسكرية في حملتهم الانتخابية الفاشلة.

وفي فرنسا، وعلى الرغم من أنّ التجنيد لم يعد إلزامياً منذ عام 2001، فقد ظهر بديل هو الخدمة الوطنية لمدة 4 أسابيع (إلزامية اعتباراً من عام 2026) للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً.

ولكن ربما يكون التحوّل الأكثر إثارة للدهشة هو الذي يجري الآن في ألمانيا، التي كانت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تنفر من العسكرة. وفي سابقة أخرى منذ الحرب الباردة، قامت ألمانيا هذا العام بتحديث خطتها في حالة اندلاع صراع في أوروبا، كما قدم وزير الدفاع بوريس بيستوريوس اقتراحاً في يونيو (حزيران) الماضي بإنشاء خدمة عسكرية تطوّعية جديدة، مؤكّداً أنّه يتعيّن علينا أن نكون مُستعدّين للحرب بحلول عام 2029″.

ولم تتوقف بعض البلدان عن التجنيد الإجباري أبداً، كما في النمسا والدانمارك وإستونيا واليونان وسويسرا وحتى قبرص.

مخزون دول الناتو الجديدة

وتتمتع فنلندا، وهي واحدة من أحدث الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، بالقُدرة على تفعيل أكثر من 900 ألف جندي احتياطي، مع استعداد 280 ألف عسكري للردّ فوراً إذا لزم الأمر. ومع ذلك، خلال وقت السلم، فإنّ القوات الدفاعية الفنلندية تُوظّف حوالي 13 ألف شخص فقط.

وللنرويج والسويد، أحدث أعضاء حلف شمال الأطلسي، نماذج مماثلة، إذ تحتفظ كل منهما بأعداد كبيرة من جنود الاحتياط.

واستدعت السويد، حيث أصبح التجنيد الإجباري مُحايداً بين الجنسين، حوالي 7000 فرد في عام 2024. وسيرتفع العدد إلى 8000 في عام 2025، وفقاً للقوات المسلحة السويدية.

زر الذهاب إلى الأعلى