الصحافة الأوروبية تقسو بحدّة على ماكرون
“هزيمة نكراء” و”شهادة وفاة”، هكذا جاءت ردود فعل الصحافة الأوروبية على الانتخابات التشريعية في فرنسا، حيث لم يكن لدى وسائل الإعلام كلمات قاسية بما يكفي لوصف نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات التي فاز بها حزب التجمّع الوطني اليميني المُتطرّف، فوضعته على أبواب السلطة.
وعبّر صحافيون ومحللون سياسيون أوروبيون عن الخشية من أن يؤدي تولّي جوردان بارديلا زعيم التجمّع الوطني إلى زعزعة استقرار فرنسا، وتقويض مصداقيتها، وأن يؤدي هذا الاضطراب أيضاً إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي.
وجاءت المقالات الافتتاحية قاسية تجاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مهندس حل الجمعية الوطنية، وهو الحل الذي انقلب ضدّه.
وتخشى الافتتاحيات التي نُشرت في أوروبا والولايات المتحدة، وفي إفريقيا والعالم العربي أيضاً، من زعزعة استقرار فرنسا وتآكل اقتصادها وهيبتها مقرونة بأزمة حكم، وبالتالي تأثير هذه الاضطرابات المحتملة على الساحة الدولية.
ووفقاً لمجلة الإيكونوميست، وهي صحيفة أسبوعية بريطانية رائدة ذات توجّه ليبرالي، فإنّ “التصويت كان إذلالاً ساحقاً للتحالف الوسطي للرئيس إيمانويل ماكرون”. بينما تعتقد صحيفة “الباييس” الأكثر قراءة على نطاق واسع في إسبانيا، بأنّ “الماكرونية ربّما وقعت على شهادة وفاتها”.
رُعب في سويسرا
“الديمقراطية الفرنسية تتحدث وتُثير الرعب”، هكذا كتبت صحيفة “لوتمب” السويسرية اليومية في افتتاحيتها على صفحتها الأولى، موضحة أنه مع تقدّم حزب اليمين المتطرف، تبتعد فرنسا عن المبادئ الجمهورية.
وترى هذه الصحيفة أنّ انتصار التجمّع الوطني “هو زلزال للديمقراطية يُمكن أن يؤدّي إلى أكثر ما يخشاه بعض الديمقراطيين”.
وقالت صحيفة “بليك” اليومية السويسرية “لقد نجحت فرنسا للتو في ترسيخ نفسها بشكل ديمقراطي، ولكن بشكل مُستدام، في فترة من الاضطراب وعدم اليقين لا تُساعد على تعافيها”.مسؤولية ماكرونولم تكن الصحافة البلجيكية أقل حدّة. وفي إشارة إلى تصويت شعبي يجلد الطبقة السياسية””، كتبت صحيفة “لوسوار” اليومية أنّه “من خلال الانقلاب التام للقيم والمثل العليا، قرر الشباب والعمال والجامعيين والنساء والرجال على حدّ سواء أنّ الأمل، اليوم في فرنسا، يتجسّد من خلال حزب عنصري… هذا التشويه يحمل وجه إيمانويل ماكرون، الرئيس الذي لم يحمي بلاده إلى الأبد من اليمين المتطرف، بل أضفى عليه الشرعية من خلال التخلّي عن صناديق الاقتراع له.
والتشخيص نفسه ورد في أعمدة صحيفة “الحرية” البلجيكية، التي أشارت تحت عنوان “السقوط المذهل في المجهول”، إلى مسؤولية رئيس الدولة الفرنسية، الذي “حلم بالبداية.. وتحوّل بنفسه إلى نقطة انطلاق لليمين المتطرف”.
قلق اليونان على حقوق الإنسان
في مقال افتتاحي بعنوان “مستقبل الديمقراطية في أوروبا”، أعربت صحيفة “إفيميريدا تون سينداشتون” اليونانية اليومية عن قلقها إزاء تداعيات الانتخابات الفرنسية على الحقوق الاجتماعية وحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي. مع التذكير بأنّ فرنسا لعبت دوراً تاريخياً مؤثراً في انتزاع هذه الحقوق: “في كثير من النواحي، فإنّ الجغرافيا السياسية الحالية للقارة القديمة هي نتيجة للعمليات التي بدأتها فرنسا بشكل أساسي. حتى في شكل حروب دامية.” وتابعت اليومية اليونانية تقول: “إنّ الديمقراطيات البرلمانية اليوم، والتي تُهيمن على أغلب دول أوروبا والعالم الغربي، تُمثّل حقوقاً فردية واجتماعية حديثة منصوص عليها في دساتير وتشريعات الاتحاد الأوروبي. وهي تخضع إلى حدّ كبير لـِ (حقوق الطبع والنشر) الفرنسية”.
ألمانيا تخشى استبداد فرنسا
من جهتها لاحظت صحيفة “دي تسايت” أنّ “نتائج الانتخابات في فرنسا أثبتت أنها تتجاوز حدودها إلى حدّ كبير يُمكن معه لمركز أوروبا أن ينهار، حتى في ألمانيا. والنسبة للأسبوعية الألمانية، فإنّ الحكومة التي يقودها حزب التجمّع الوطني اليميني المُتطرّف ستؤدي إلى “إعادة هيكلة استبدادية للدولة، وسياسة داخلية عنصرية، وسياسة خارجية مُناهضة للاتحاد الأوروبي، وتقارب مع روسيا بوتين”. كذلك وتحت عنوان “الروح الفرنسية مجروحة” قالت الصحيفة الألمانية: “تحظى فرنسا بالإعجاب في جميع أنحاء العالم: للأناقة والثقافة والذوق الرفيع. لكنّ العديد من المواطنين يشعرون بالإهانة لدرجة أن ذلك يزعزع ميزان القوى.”
فرحة إيطالية
وعلى العكس من ذلك في روما، حيث يتولى اليمين المتطرف السلطة بالفعل منذ عام 2022، يبدو أنّ صحيفة “ليبيرو” اليومية التي تنتمي إلى يمين الوسط، مسرورة وتستمتع بنتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا، بالقول: “يا إلهي، لقد وقع زلزال للتو في باريس: تعرّض الرئيس للضرب، من قبل حزب مارين لوبان، بل وتجاوزه اليسار أيضاً”.