دراسة: توقعات بتراجع عدد الولادات في الدنمارك بالملايين بسبب ضعف الانجاب
توقعت دراسة حديثة أجريت في الدنمارك أن يتراجع عدد المواطنين بالملايين وليس بمئات الآلاف إذا استمر المنحى الحالي لضعف الإنجاب. وانتقد معدو الدراسة عدم تعامل السياسيين جدياً مع هذه المعضلة التي تضرب معادلة “إعادة إنتاج السكان”.
كشفت أرقام دراسة أجراها باحثون متخصصون في علم الأوبئة والديموغرافيا في الدنمارك، على رأسهم البروفيسور رون ليندال ياكوبسن، توقعات علمية سيئة لمستقبل البلد الاسكندنافي الصغير الذي يقدّر عدد سكانه بـ 5.8 ملايين، نسبة 16 في المائة منهم من أصول مهاجرة. وتوقع الباحثون استمرار تراجع معدلات الولادة، ومزيد من الأزواج الذين لا ينجبون أو يكتفون بطفل واحد خلال العقود المقبلة. وأكدوا أن التوقعات السابقة بإمكانية أن يولد 50 ألف طفل جديد خلال العقد الماضي كانت خاطئة. وعلّق ياكوبسن الذي يملك خبرة كبيرة في الديموغرافيا الدنماركية بأن “ما يجري مشكلة خطيرة يجب على الجميع أن يتعاملوا معها”، وقال لصحيفة “بوليتيكن” التي شاركت في الدراسة: “يفهم عدد قليل من الناس التغيّرات الاجتماعية الكبيرة التي تحصل، ويشمل ذلك السياسيين أيضاً ما ينعكس سلباً على واقع المجتمع”.
ومن أجل فهم واقع التطور السلبي في المجتمع الدنماركي الذي يعتبر سياقاً أوروبياً وغربياً عاماً، توضح الدراسة أن السنوات العشر الماضية شهدت مواصلة الدنماركيات انجاب 1.7 طفل في المتوسط، ثم انخفض معدل الخصوبة إلى أقل من 1.5 طفل لكل سيدة في عامي 2022 و2023. ويعني ذلك أن مسألة بقاء المجتمع الدنماركي في المستقبل يتطلب الوصول إلى 2.1 طفل في المتوسط على الأقل مثلما هو حال أي بلد، علماً أن الدنمارك لم تسجل معدل خصوبة 2.1 طفل في المتوسط منذ عام 1968.
وهكذا يرتبط ناقوس الخطر الذي يقرعه الباحثون بعدم قدرة المجتمع، بمعدل إنجاب 1.5 طفل في المتوسط، على الوصول إلى ما يسمى “إعادة إنتاج السكان”. وكانت كوبنهاغن قد انتهجت خلال نحو عقدين من الزمن سياسات هجرة متشددة جداً لمنع قدوم مزيد من اللاجئين والمهاجرين. وبالنسبة إلى ياكوبسن “سينكمش عدد السكان في ظل المعدل الحالي للخصوبة، والتقدم في العمر بسبب تطوير النظام الصحي، وسيفقد بالتالي القدرة على إعادة إنتاج سكان”.
وعموماً يراهن السياسيون على احتمال حدوث طفرة مواليد حتى عام 2030 بتأثير نهج زيادة الإنفاق على دور رعاية الأطفال والمدارس، لكن أي مؤشرات لحصول ذلك لم تظهر حتى الآن، في وقت لا يزال الباحثون متشائمين ويقدمون نظرة سلبية إلى حالة البلد باعتبار أن “خطط السياسيين لا تخلق محفزات مناسبة لإنجاب المواطنين مزيداً من الأطفال”.
واللافت أنه حتى مع تضمين الهجرة المتوقعة إلى الدنمارك في العمليات الحسابية للمستقبل الديموغرافي للبلد، تتوقع الدراسات أن ينخفض عدد السكان، وبينهم مئات آلاف المهاجرين الذين يقيمون من دون جنسيات، إلى نحو 5 ملايين بحلول عام 2050.
وتتمثل الكارثة بالنسبة إلى أحفاد الفايكينغ، وفق حسابات ياكوبسن، في أنه إذا استمر المجتمع في مسار المنحنى السلبي لن يكون عدد سكان الدنمارك أكثر من 2.5 مليون عام 2100، علماً أنه واضح أن عدم انخفاض عدد السكان في شكل دراماتيكي خلال العقود الأخيرة يعود بالدرجة الأولى إلى المهاجرين وارتفاع متوسط العمر، وهما عاملان عوضا انخفاض معدلات الخصوبة لدى الدنماركيين.
ويلمّح ياكوبسن إلى أن “الأمر الجنوني في مسألة الخصوبة والإنجاب هو احتمال أن ينخفض عدد الأمهات في الدنمارك نحو 600 ألف على الأقل خلال 50 عاماً، مع بقاء معدل الخصوبة عند أقل من 1.5 طفل في المتوسط لكل امرأة”.
أيضاً يؤكد أستاذ الصحة العامة الباحث في عيادة النمو والإنجاب في مستشفى “ريس” الوطني، لارك بريسكورن، صحة توقعات استمرار انخفاض معدل الخصوبة لسنوات عدة استناداً إلى الأرقام التي أوردتها الدراسة الجديدة التي أجراها المتخصصون في علم الأوبئة والديموغرافيا، وشدد على العواقب الكبيرة على المجتمع الدنماركي.
وفي حال بقيت نسبة الخصوبة عند معدلها الحالي، واستمر ارتفاع متوسط العمر وعدد المهاجرين إلى الدنمارك، سيتراجع عدد سكان الدنمارك إلى 4.9 ملايين خلال جيل واحد، أي نحو مليون عن الرقم الحالي، وإلى 3.4 ملايين خلال جيلين، و1.9 مليون خلال 3 أجيال.
وعموماً أثبتت الدراسة الجديدة صحة تشكيك علماء وباحثين بزعم سياسيين ومشرعين خلال الحملات الانتخابية، أن سكان الدنمارك سيصبحون نحو 6.4 ملايين عام 2050، في رقم يفترض أن المرأة الدنماركية ستبدأ قريباً في إنجاب 1.9 طفل في المتوسط، لكنه “أثبت خطأه عقداً وراء عقد”، بحسب ما يقول العلماء والباحثون.
ويرى الباحثون أن تطور الأمور بهذا الاتجاه سيجعل نسبة المهاجرين تتجاوز الـ16 في المائة الحالية. وإذا وصلت الدنمارك إلى حالة إيطاليا التي لا تتجاوز فيها نسبة الخصوبة 1.2 طفل لكل امرأة سيُصاب منحنى إعادة إنتاج السكان بنكسة قوية في البلد الاسكندنافي.
وكانت دراسات سابقة أجريت في الدنمارك أفادت بأن المجتمعات الغربية في حالة سقوط حر لأعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال التي تراجعت إلى النصف خلال العقود الأربعة الأخيرة. وقال باحثون إنه “مع استمرار تراجع إفراز الرجال إلى نحو 40 مليون حيوان منوي لكل مليلتر، ستضطر الحكومات إلى تخصيص مبالغ طائلة للقطاع الصحي لمساعدة الأزواج على تعزيز فرص الحمل”. وأوضح أستاذ طب الخصوبة في جامعة آرهوس، بيتر هيومدان، إن “التغيّر الذي رُصد خلال العقود الأخيرة يمثل تراجعاً حرجاً ومثيراً للقلق لأنه يجعل إنجاب أطفال بصورة طبيعية أمراً صعباً للغاية”.
ورأى باحثون أن المجتمعات ذات نمط الحياة الغربي شهدت منذ بدء الألفية الحالية انخفاضاً في الخصوبة بنسبة 2.6 في المائة سنوياً، ما يعني أن تركيز الحيوانات المنوية سينخفض إلى أقل من 40 مليوناً لكل مليلتر خلال السنوات المقبلة، ما يؤدي إلى حاجة الأزواج إلى مراجعة عيادات علاج الخصوبة من أجل إنجاب أطفال.
العربي الجديد