آراء

د. علي الجابري: انقلاب في قصر باكنغهام!

فجأة وبدون سابق إنذار ضجت مواقع التواصل الاجتماعي العربية، بإشاعتين كبيرتين تتعلقان بوقوع “حدث جلل” قد يهز أركان قصر باكنغهام في لندن، ويضع “التاج الملكي” على كف عفريت!

الاشاعة قالت إن حدثاً ما يجري التحضير للإعلان عنه من قبل القصر الملكي البريطاني ، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين فيما اذا كان يتعلق بالملك تشارلز الذي أعلن عن إصابته بالسرطان مؤخراً ، أو بأميرة ويلز كيت ميدلتون زوجة ولي العهد البريطاني، التي أعلن عن اجرائها عملية جراحية مؤخراً، لكنها اختفت بعدها، ولم تظهر على وسائل الاعلام مطلقاً؟! رافق ذلك اشاعات عن كشفها لخيانة زوجها مع صديقتها المقربة ، وهو ما قد يؤدي بهما إلى الانفصال، على غرار ما حدث مع تشارلز وديانا ، وكأن التاريخ يعيد نفسه!
الحدث الجلل المنتظر الاعلان عنه وفقاً لخبراء التواصل الاجتماعي الذي تسابقوا للاعلان عنه، وكأنهم يأكلون ويشربون في مطبخ قصر باكنغهام، ويعرفون ببواطن الأمور، ولا تفوتهم معرفة أدق تفاصيل حياة العائلة الملكية، هو أن الملك تشارلز سيعلن تنحيه ويتنازل عن التاج الملكي ليضعه على رأس ولده ويليام ولي العهد الحالي!
وبالطبع كان هذا السيناريو الأكثر تفاؤلاً بين سيل التغريدات التي تهافت على نشرها الكثيرين!
لكن السيناريو الأسوأ والذي كان بمثابة الكابوس الذي وقع على رؤوس العرب ( لانهم وحدهم من ردد هذه الاشاعة) يقول ان الأميرة كيت ميدلتون تم قتلها وتصفيتها على طريقة الراحلة ديانا، من قبل البلاط الملكي، بعد أن اكتشفت خيانة زوجها ويليام ولي العهد! وان الديوان الملكي سيعلن وفاتها قريبا بذريعة المرض!

ولكي يكتمل هذا السيناريو، تطوع البعض بأكمال الحبكة الدرامية بعد أن اكتشفوا فجأة أن قناة البي بي سي البريطانية غيرت لون شعارها الرسمي (اللوغو) إلى الاسود ، استعداداً لإعلان الخبر الحزين للعالم! ونشروا صورة (اللوغو) الجديد؟!
كما نشر آخرون صورة قالوا انها لتنكيس العلم البريطاني في قصر باكنغهام!
الكارثة الحقيقة ليست بالتداول السريع للإشاعتين اللتين انتشرتا “كالنار في الهشيم”، وإنما بوسائل الاعلام العربية الكبرى -ومنها قناتي العربية والحدث- اللتان نشرتا خبر تغيير لون “شعار بي بي سي” إلى الاسود وتنكيس الاعلام في قصر باكنغهام تمهيداً لإعلان الحدث الجلل!!
فات الصحفيون “المهنيون” الطلب من “الرفيق غوغل” معرفة لون قناة بي بي سي الحقيقي، ليخبرهم أن الأسود هو لون شعار القناة منذ 2021 ولم يتغير قبل ساعات!! وأن الصورة المتداولة لتنكيس العلم البريطاني غير صحيحة، فقد جرت العادة أن لا يرفع العلم فوق مبنى قصر باكنغهام الا عندما يكون الملك متواجداً في القصر، ويتم انزاله عند مغادرة الملك القصر لمقر إقامة آخر، وهو أمر يعرفه البريطانيون وكل من زار عاصمة الضباب من قبل!

ان ما حدث يوم أمس يدل على أن الاعلام التقليدي وقع ضحية اشاعات وصور مفبركة نشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو لم يعد القائد والمحرك للرأي العام أو الطرف الأكثر موثوقية لجهة رصانة الاخبار، لانه وقع فريسة سهلة لما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي دون تدقيق أو تمحيص! وتلك مصيبة كبرى حلت بالإعلام العربي الذي فقد مصداقيته لدرجة كبيرة بين صفوف الشعوب العربية!

هل نستفيد من هذا الدرس ونتعلم أن نبحث وندقق قبل أن نتسابق لنشر اشاعات نسجتها مخيلة بعض الباحثين عن الشهرة في وسائل التواصل الاجتماعي؟! أم نستمر في السير بإعلامنا العربي نحو الهاوية؟!

رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية

زر الذهاب إلى الأعلى