آراء

حسن مدن: هتلر وبرج إيفل

بدأ مصممو برج إيفل وبُناته العمل فيه في يناير/ كانون الثاني من عام 1887، وأكملوه في عامين وشهرين وخمسة أيام (1887- 1889)، ليستقبل معرض التجارة العالمي، وجرى افتتاحه للجمهور في 15 مايو/ أيار 1889، فأصبح واحداً من أهم المقاصد السياحية في فرنسا والعالم، حيث يزيد عدد زوّاره سنوياً على سبعة ملايين زائر، باعتباره رمزاً معمارياً للعاصمة الفرنسية يشار إليه بالبنان، وحول تعبير الإشارة بالبنان هذا ننقل هذا التعريف: «هذا القول مجاز؛ إذ هو كناية عن الشهرة فالناس يدلُّون عليه بأصابعهم إذا رأوه، يقولون: هذا فلان، هذا هو تعظيماً لشأنه، فهو تعبير اصطلاحي جرى مجرى المثل، وشاع استعماله بين الناس بهذا المعنى البلاغيّ فالإشارة تكون باليد ولكنه عَبَّر عنها بالجزء وهو البنان»، أما البنان فهو طرف الإصبع، ويقال عضّ بنانه، في إشارة إلى الندم، مع ملاحظة أن الإشارة بالبنان لا تنحصر بالأشخاص فقط، إنما تشمل الإشارة إلى الأشياء أيضاً، كما هي الحال مع برج إيفل.

يحرص كثير من زوّار البرج على الصعود إلى قمته، ليروا باريس من علوّ، وتقول النبذ التعريفية والمروجة للبرج سياحياً إنه يوجد في داخله مطاعم شهيرة ومتنوعة تجذب اهتمام الكثيرين، ومن المفارقات أن الروائي غي دو موباسان الذي كان أحد المثقفين ومهندسي العمارة المعروفين الذين هاجموا فكرة البرج، بل إنه كان أكثرهم غلوّاً في ذلك، يحرص على تناول غدائه في أحد مطاعم البرج يومياً، وحين سئل عن هذا التناقض: كيف تستقيم مهاجمة فكرة البرج بهذا الغلو من جهة، وجعله مقصداً يومياً له لتناول الغداء فيه؟، لم يحر جواباً على جري بعض المثقفين القادرين على تبرير النقائض، والدفاع عن الفكرة ونقيضها في الوقت نفسه، بصورة لا تخلو من المكر، أو الدهاء، فقال إنه حين يكون داخل البرج يضمن ألا يرى هيكله من خارجه.

حين احتلّ النازيون الألمان باريس فترة الحرب العالمية الثانية، كان منطقياً أن يفكروا في احتلال البرج، كونه المبنى الأكثر علوّاً في المدينة، ليتباهوا بالنصر، ولكن عمال البرج عطّلوا استخدام المصاعد فيه، فاضطر الجنود الألمان إلى الصعود إلى طوابقه العليا مشياً على الأقدام.
على نقيض غي دي موباسان الذي يدخل البرج لتناول غدائه كل يوم كي يتفادى النظر إليه من خارجه، فإن صورة شهيرة جرى تداولها تظهر الزعيم النازي الألماني هتلر وهو في أسفل البرج ينظر من خارجه إلى علوه الشاهق، ربما لأنه لم يكن بوسعه الصعود مشياً على قدميه، ويومها قيل إن هتلر غزا باريس لكنه فشل في غزو برجها

نقلاً عن الخليج الاماراتية

زر الذهاب إلى الأعلى