آراء

إنعام كجه جي: المغتصب كان بريئاً

في عام 1967 أدى المغني والممثل الفرنسي الشهير جاك بريل الدور الرئيس في فيلم «مخاطر المهنة». كان جان دوسيه معلماً في بلدة صغيرة. اتهمته إحدى تلميذاته بأنه حاول اغتصابها. وقف الأهالي كلهم ضده. جرحته كل المخالب. سيق للمحكمة وتعرض لأبشع استجواب. بقي ينفي التهمة من دون أن يصدقه أحد. وفي النهاية تكشف الوقائع أن البنت كذبت. لم يعد من وزن لبراءته. تلوثت سمعته إلى الأبد.
اليوم، بعد 55 عاماً، يتداول الإعلام الفرنسي قضية مشابهة. غير أن اسم المتهم ليس جان دوسيه بل فريد الحائري. مواطن من أصل مغربي يقيم في إحدى قرى الشمال. أعلنت إحدى فتيات القرية أنه اغتصبها. عاش مطعون السمعة طوال 24 عاماً. لم يتوقف عن الصراخ بأنه بريء. وقبل أيام وقف أمام 18 قاضياً من محكمة جنائية تشكلت خصيصاً لإنصافه. تداولوا أسبوعاً وأسقطوا التهمة عنه. إن الحائري هو المُدان البريء رقم 12 في قائمة الأخطاء المعترف بها للعدالة الفرنسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
كان فريد في السابعة عشرة حين اتهمته جولي باغتصابها. وجولي أصغر منه بسنتين. أي أنها كانت قاصراً، ما زاد الطين بلة. قالت في شكواها إن 4 شبان تحرشوا بها في أحد شوارع قريتهم، هازبروك. ثم عاد فريد واستفرد بها واغتصبها خلف المسبح البلدي. حققوا معه ولم يصدق المحققون أقواله. استدعوا شقيقه الكبير وضغطوا عليه لكي يقنع أخاه بالاعتراف. وقف أبوه العامل البسيط مكتوف اليدين لا يملك توكيل محامٍ بارع. كان ذلك في عام 1998.
صدر عليه حكم بالسجن لخمس سنوات، نصفها مع وقف التنفيذ لصغر سنه. أودعوه سجن «لوز» سيئ السمعة. مبنى متهالك يصلح زريبة، جرى هدمه فيما بعد. كانت زنزانة التأديب مقررة عليه والمشاجرات هي الخبز اليومي للنزلاء. إن حصته هي الأكبر من الضرب والتحقير. جرت العادة في السجون أن يوقع النزلاء عقابهم الخاص على المُدان باغتصاب طفلة. هو الأكثر انحطاطاً بين القتلة واللصوص وتجار المخدرات. أنهى عقوبته ولم تتوقف المهانة. كان هناك من يبصق عليه كلما خرج إلى الشارع. عاش حياته تحت وطأة نظرات الازدراء. وضعوا اسمه في قائمة المجرمين الجنسيين. لطخة حمراء في سجله العدلي. يُستدعى إلى مركز الشرطة عند أي حادثة وشكوك.
في عام 2017 جاءت المفاجأة. تلقى النائب العام للجمهورية رسالة من جولي تطلب الغفران. قالت إنها اتهمت فريد الحائري زوراً وإن ضميرها لم يتوقف عن تأنيبها. اعترفت أن المتهم الحقيقي هو شقيقها الذي واصل اغتصابها عدة سنوات. لقد كذبت لكي تحمي عائلتها. بات على العدالة أن تعيد النظر في القضية. لم تحضر المدعية الجلسات وأنابت عنها محاميتها. إن قضايا الاغتصاب بالمئات ودرب المحاكم طويل.
كبر فريد وشاب شعره قبل الأوان. ظهر في تقرير تلفزيوني ليقول إن أقسى الأمور أن تكون طليقاً لكنك تشعر في رأسك بأنك سجين. عبّر عن أسفه لأنه عاجز عن مسامحة جولي، رغم المأساة التي عاشتها. لقد حمت عائلتها على حساب عائلته. وهو ما زال يكرر السؤال: لماذا أنا؟
جيء له بأفضل محامٍ في شمال فرنسا. لا بد أن تكون هناك قضية تعويض بعد ذلك. قال فريد الحائري أمام المحكمة الخاصة التي نظرت في تبرئته: «تحطمتْ عائلتي وتحطمتُ. كان أمامي خياران في السجن: أن أموت وأموت وأموت أو أن أقاوم». اختار الثاني من أجل أمّه المريضة.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى