تحقيقات ومقابلات


تقرير فرنسي: القرضاوي كان يعشق إراقة الدماء

غالباً ما كان مؤسس ما يدعى المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، ورئيسه السابق شيخ الفتنة يوسف القرضاوي، يشتكي بمرارة من عدم السماح له بالعودة إلى فرنسا منذ العام 2003، واصفاً نفسه ومُدافعاً عنها بأنّه “رجل متسامح يدين الإرهاب”، في حين رفض الناشرون الفرنسيون ترجمة مذكراته ونشر كتبه ليس فقط لتحريضه على العنف، وإنّما لكون ما أصدره من نحو 120 عملاً متواضعاً لا يرقى في ذات الوقت لأن يُشكّل مادة فكرية مناسبة للقارئ الأوروبي فضلاً عن تضمين كتبه الكثير من تعابير رفض الآخر واستخدام الفكر الإقصائي.

القرضاوي يُمثّل بشكل جلي ومأساوي المسار السياسي المُنهار للإخوان المسلمينالقيادي الإخواني الذي توفي في سبتمبر(أيلول) الماضي وقُدِّم باعتباره المرشد الروحي للإخوان المسلمين، كان في الواقع برأي مفكرين فرنسيين، مُجرّد رجل حاشية يُكيّف خطبه مع توجّهات قنوات فضائية يدين لها بشعبيته، وما زالت تُروّج لأفكاره حتى بعد رحيله، حيث تمكن لسنوات من تقديم نسخته الرجعية من الإسلام في برنامجه التلفزيوني الشهير “الشريعة والحياة”، وكان يشغل الملايين من الناس بكيفية ارتداء ملابسهم ويتدخل في أدق تفاصيل حياتهم اليومية وكأنّه “الشخص الذي يعرف كل شيء عن كل شيء”، بينما كان يُكيّف الدين لخدمة خيالاته ورغباته الخاصة وتوجّهات الإسلام السياسي.

وفي حين لم يكن أحد في المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، ومقرّه الرئيس في دبلن عاصمة إيرلندا، يجرؤ على أن يُناقضه خوفاً من غضبه والهالة التي كان يتمتع بها كواعظ، كان القرضاوي يُحاول أن يُصوّر نفسه كمُفكّر مُعتدل عبر إطلاقه فتاوى للتقرّب من مُسلمي أوروبا وصُنّاع القرار هناك، من قبيل الإذن للمرأة بالانفتاح على ساعي البريد في غياب زوجها بشرط أن يقترب العامل من عمر الستين، أو بجواز قبول المسلمين في أوروبا استخدام الخل المصنوع من الكحول، بينما كان يُطلق في المقابل تصريحاته التحريضية بشتّى الوسائل ضدّ المُجتمعات الأوروبية ونبذ طرائق حياتهم.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي إيان هامل، إنّه باعتبار القرضاوي شخصية رئيسية في جماعة الإخوان، فقد طُلب منه عدّة مرات تولي رئاسة جماعتهم، لكنّه رفض حسب ما كان يقوله، ومع ذلك، فقد تمكّن هذا الواعظ المُتطرف بالفعل من قيادة الجماعة الإرهابية عبر خطبه في المساجد وفي الفضائيات، فشجّع على العمليات والتفجيرات الانتحارية وبررها ليس في الغرب فقط بل وفي العديد من الدول العربية والإسلامية واصفاً قتل الأطفال والنساء وكبار السن إذا ما حدث بأنّه قد يقع لـِ “ضرورات الحرب المطلقة، والضرورات ترفع المحظورات”.

وإنّه إذاً الداعية الذي “يعبد إراقة الدماء” على حدّ وصف شبكة “غلوبال ووش أناليز” الفرنسية للدراسات الجيوسياسية ومُكافحة التطرّف ونبذ العنف، في دراسة تحليلية أصدرتها مؤخراً، مؤكدة أنّ يوسف القرضاوي كان يستغل كل الظروف السياسية والاقتصادية لمضاعفة التحريض وإطلاق الدعوات لحمل السلاح وتنفيذ العمليات الإرهابية داخل أوروبا وفي قلب العالم الإسلامي على حدّ سواء، وأيضاً تبرير إبادة الأقليات الدينية، وكل ذلك دون أن يجد الكثير من الرفض من قبل العديد من المنظمات الإسلامية التي كانت إما تخاف منه أو تُعتبر مؤيدة ضمناً لأفكاره.

ويقول مركز المراقبة والتحليل العالمي للإرهاب في باريس، في تقرير حديث له، إنّ القرضاوي يُمثّل بشكل جلي ومأساوي المسار السياسي المُنهار للإخوان المسلمين، هذا المسار الذي قاده في النهاية إلى قيادة تجاوزات الإسلام السياسي المتعطشة للدماء، فعمل كواجهة فكرية سياسية دينية لخطة كانت تهدف إلى وضع ما حصل من انتفاضات في المنطقة العربية منذ نهاية العام 2010 تحت سيطرة الإخوان والإسلام السياسي، وبالتالي تحويلها إلى انتكاسات وحشية مظلمة.

وينقل المركز في ختام تقريره عن الكاتب والمحلل السياسي احميدة عياشي، قوله إنّه لا يمكن فصل أفكار يوسف القرضاوي عن مسيرته المهنية ودوافعه الشخصية التي تكشف ازدواجية وضعفاً إنسانياً وأيديولوجياً، لدرجة أنّ موت القرضاوي بات يُمثّل أيضاً موت “روح الاعتدال” الوهمية التي لطالما تغنّى بها الإخوان المسلمون، والذين لا زالوا يرفضون اليوم الاعتراف بنهايتهم المأساوية.

زر الذهاب إلى الأعلى