آراء

نزار العوصجي: البرجوازية الطفيلية

قد يتسأل البعض عن معنى البرجوازية الطفيلية ، انها بالمختصر المفيد الاغتناء المفاجئ لطبقة من المتعطشين للثراء ، بغض النظر عن مشروعيته او مصدره ..
و من اهم ما يميز تلك الطبقة انها لا تساهم في عمليات الإنتاج المادي ، كونها نتاج الدولة الريعية ، و يمكن الاستنتاج بأن السمة الطفيلية هي خلاصة تركيبية للتفاعل بين رأس المال العام و الدولة الريعية ، و الاستغلال الرأسمالي لموارد الدولة لصالح جهات معينة ..
و يمكن اعتباره المصطلح الأمثل الذي يطلق على سراق المال العام المتخمين باموال لا حدود لها ، الذين عمدوا الى نهبها بشتى الطرق و الوسائل المبتكرة ، متبعين مختلف الأساليب و الوسائل للوصول الى مبتغاهم في اشباع جوعهم المتأصل و لأرضاء نفوسهم المريضة ، ظناً منهم ان المال يمكنه ان يمنحهم احترام المجتمع و يجد لهم مكانة بين الناس ، متناسين ان الطفيلية هي داء لا دواء له ، يمكنهم شرائه بالمال الحرام ..

من هنا نعتقد بمشروعية استخدام هذا المفهوم كأداة تحليلية لتوصيف التطور الملموس لفئة اجتماعية محددة ، و بروزها في البنية الاجتماعية العراق ، و توسع نشاطها و مسعاها للسيطرة على الاقتصاد و السياسة بشكل عام ، و ينطلق هذا الإتجاه من الحقيقة التي نلمسها ميدانياً على ارض الواقع ، و كذلك من خلال الدراسات التي أجريت من قبل مراكز بحثية تبين أن هناك نمواً سريعاً و متعاظماً لفئة اجتماعية محددة ، تقدر ثرواتها بأرقام “ فلكية “ و من دون أن يكون لهذه الثروات وجود مادي ملموس في أصول إنتاجية ، فقد نقل الخبير الاقتصادي عن مركز دراسات فرنسي ، إحصائية بشأن التفاوت الاقتصادي بالعراق ، بين من خلالها أن هنالك “36 مليارديرا ثروة كل منهم أكثر من مليار دولار ، فضلا عن 16 ألف مليونير ثروة كل منهم أكثر من مليون دولار”، فيما “بلغ عدد المليارديرات في العراق ما يعادل عددهم في الدول التالية مجتمعة وهي : الامارات و الكويت و لبنان و مجر و رومانيا و البرتغال و هولندا و الدنمارك و نيجيريا” ..

ان من بين العوامل التي ساعدت على هذا النمو السريع لهذه الفئات هو إرتباطها بالفساد الذي يتربع على قمة السلطة ، و إختراقها لأجهزة الدولة و القطاع الحكومي ، و تمكنها بالفساد و الإفساد من أن تسخر موارد الاقتصاد و الموارد العينية و المالية لخدمتها و تحقيق ثرائها ، إضافة الى الإستفادة من الإختلالات في الاقتصاد و انتشار المضاربات ، و التهرب من دفع الضرائب التي تترتب على العائدات المالية التي يحصلون عليها ..
لقد تمكنت هذه الفئات بحكم نفوذها السياسي المتزايد من جهة ، و يفضل ثرائها الاسطوري المتزايد ، و سيطرتها على بعض أوجه النشاط الاقتصادي من جهة أخرى ، أن تهيمن على المفاصل الاساسية للإقتصاد و المجتمع في العراق بشكل عام ..

من المعلوم أن البرجوازية الطفيلية لا تنشأ و تحيا إلا على سرقة المال العام و نهب ثروات البلاد والعباد ، الأمر الذي يعني أنها طبقة غير منتجة ، تعتاش على حساب سرقة ونهب حقوق المواطنين البسطاء ، و لهذا فهي طبقة ” دخيلة ” على الحياة العامة و في المجتمع ، تتركز قدرتها على سرقة حقوق المواطن بفضل امتياز امتلاكها لمقاليد السلطة والنفوذ ، تكتسب امتيازات نقدية تسلبها بهذا الشكل أو ذاك من موارد الدولة ( خزينة العراق ) ..

لقد تبنت الميليشيات المرتبطة بالبرجوازية الطفيلية عمليات التدمير المبرمج و الممنهج للمنشآت الإنتاجية في القطاعين العام و الخاص ، مما ادى الى فتح الأسواق المحلية العواقية على مصراعيها أمام استيراد جميع احتاجاتها ( كل شيئ ) من جارة السوء إيران ، مهما كانت رديئة و سيئة ، و بتعرفة جمركية لا تزيد على (5 %) ..
ان بفضل نشوء و ازدهار المليشيات الولائية الموالية لإيران ، و اعتماد المحاصصة الطائفية و القومية أساساً في الحكم ، و توزيع المناصب السيادية و الوزارية و الخاصة ، دون الألتفات الى المصلحة العامة للبلد ، قد أصبح الاقتصاد العراقي متاحاً للسرقة و النهب من قبل شرائح برجوازية طفيلية تتحكم فيه ، و في مصير و مستقبل الشعب العراقي على نحو مأساوي رهيب ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى