اسرار خطيرة

مزيد من الوفيات الغامضة في إيران وروايات متضاربة عن الأسباب

تكررت خلال الأسبوعين الأخيرين وفاة إيرانيين عاملين في مجال الصواريخ، وتناقلت منصات اجتماعية ناطقة بالفارسية، أمس السبت، خبر وفاة عالم خبير في مجال محركات الصواريخ والطائرات “نتيجة للتسمم”.
وحسب التقارير فإن العالم في مجال الصواريخ، أيوب انتظاري، الحاصل على درجة الدكتوراه في هندسة الطيران من جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران، توفي يوم الثلاثاء.

وقبل انتظاري، أعلن مقتل عقيد آخر من “فيلق القدس” ذراع التدخل الخارجي لـ”لحرس الثوري” الإيراني. ونقلت وكالة أنباء إيران “إرنا” عن مسؤول لم تكشف هويته، قوله إن العقيد علي إسماعيل زاده توفي خلال “حادث وقع فيه من شرفة محل إقامته” قبل أيام في مدينة كرج، غرب العاصمة طهران، ونفت الوكالة الأنباء التي تتحدث عن اغتيال العقيد.

وفي 22 مايو (أيار)، أطلق مسلحان مجهولان كانا يستقلان دراجة نارية، النار على العقيد حسن صياد خُدائي وهو في سيارة أمام مقر إقامته في طهران، واتهمت طهران إسرائيل بالوقوف وراء اغتياله.

أيوب انتظاري
ونشر موقع “جادة إيران” أمس معلومات جديدة عن أيوب انتظاري الذي تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية معلومات عن وفاته في ظروف غامضة.

وغرد ناشط علی حسابه على “انستغرام”: “للأسف الشدید توفي أحد النخب الإيرانية في مجال الفضاء بشکل مریب للغایة. لقد أعلنوا التسمم کسبب للوفاة، بینما لم یصب أي من أقاربه بهذا الأمر، کما أنه کان بحالة طبیعیة قبل یوم من وفاته حسب جمیع التقاریر”.

وجاء في الجزء الأخير من المنشور: “لقد تلقی الدکتور المتوفی تهدیدات متکررة عبر بریده الاکتروني”.

رقم صعب
الروایة الرسمیة المنتشرة في وسائل الإعلام الإيرانية اكتفت بوصف أيوب انتظاري “عالماً في مجال الصناعة والطیران”. لكن بحسب المعلومات التي حصل علیها موقع “جادة إیران” فإنّ الرجل کان رقماً صعباً في مجالات يمكن وصفها بالحساسة للأمن الإيراني. فهو أستاذ  في التصمیم الإنشائي لتوربینات صناعة الطیران، بما في ذلك المحرّكات النفاثة من الجیل الرابع التي تم الکشف عنها لأول مرة من قبل وزارة الدفاع الإيرانية في أغسطس (آب) 2020، وتم وصفها بأنها اختراق في الصناعات العسکریة البحرية والصواریخ والمرکبات الجویة من دون طیار.

وکان انتظاري متخصصاً أيضاً في تجارب الصدمة الحراریة للشرفات والأقراض، وهي حالة تنکسر فیها المادة أو تتشقق بسبب التسخین أو التبرید بسرعه کبیرة.

ويتم إجراء اختبارات الصدمات الحراریة لتحدید قدرة العبوة أو أجزاء الطائرة أو المعدّات العسکریة أو الأجهزة الالكترونية، مثل أجهزة الطرد المرکزي الغازیة، علی تحمّل التغيّرات الشدیدة.

بدورها، تتحدث مصادر أخرى عن الخدمات الکبرى التي قدمها العالم البالغ عمره 35 عاماً “لمجمع یزد الصناعي والتقني”.

ورغم أنّ مشاریع الرجل کانت مرتبطة بالمجال الجو فضائي والعسکري، لکنه عمل أيضاً تحت غطاء “مجمع غدیر لصناعة التوربینات OTC”، وذلك ضمن إجراءات اعتیادیة للحفاظ علی معلومات العلماء المرتبطین بالمجالات الأمنية الخطيرة.

وتشیر مواقع المعارضة الإيرانية إلى أنّ انتظاري لعب دوراً هاماً في تطویر الصناعات المرتبطة بالمسيّرات والصواریخ، من خلال التعاون مع الحرس الثوري ووزارة الدفاع الإيرانية.

وعلی ما یبدو، سافر العالم إلى إيطاليا لبضعة أشهر لاستكمال دراسته خلال مرحلة ما بعد الدکتوراة في فترة زمنية لم يتم تحديدها بها.

ولم ينف رئیس المجمع التقني لمدینة یزد والذي کان يعمل فيه انتظاري احتمالیة اغتیاله حسب إحدى المنشورات على “انستغرام” لزملاء العالم الإيراني.

اسماعيل زاده
إلى ذلك، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن مقتل العقيد علي اسماعيل زاده في منزله بضاحية بطهران قبل أسبوع، أثار تساؤلات عديدة في ظل تقارير محلية متضاربة تحدثت عن سقوطه من شرفة منزله وأخرى أشارت إلى أنه انتحر أو ربما قتل.

وإسماعيل زاده هو ثاني ضابط رفيع المستوى من نفس الوحدة يموت خلال أسبوع واحد، بعد صياد خدائي الذي اغتيل بإطلاق نار عليه قرب منزله بشرق طهران في 22 مايو (أيار) الماضي.

وتأتي وفاتهما وسط موجة جديدة من التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، اللتين تخوضان منذ سنوات حرباً سرية من عمليات التخريب والقتل.
وكان كلا الضابطين عضواًن رفيع المستوى في وحدة سرية داخل “فيلق القدس” تُعرف باسم “وحدة 840″، التي يقول المسؤولون الإسرائيليون إنها مكلّفة بتنفيذ عمليات اغتيال خارج إيران.

اسرائيل تنفي مسؤوليتها
وحمّلت إيران مسؤولية مقتل خدائي لإسرائيل، التي أبلغت المسؤولين الأمريكيين أنها بالفعل تقف خلف العملية، بحسب مسؤول استخباراتي مطلع.
لكن مسؤولين دفاعيين إسرائيليين رفيعي المستوى، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لأنهما غير مخولين بالحديث علناً، قالا لصحيفة “نيويورك تايمز” الجمعة إن “إسرائيل لم تقتل إسماعيل زاده”.

هل رتّب الحرس الثوري لمقتله؟
ونقلت قناة “إيران انترناشونال” المعارضة عن مصادر إيرانية مجهولة المصدر، قولهم إن مسؤولي “الحرس الثوري” رتّبوا عملية مقتل اسماعيل زاده، لتظهر كأنها عملية انتحار، بعد أن اشتبهوا في قيامه بالتجسس لصالح إسرائيل.

وقالت “نيويورك تايمز” إنها لم تتمكّن من التحقق من هذا الادعاء، كما أن مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين امتنعوا عن التعليق، فيما ذكرت إحدى وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إن هذه المعلومات غير صحيحة.

حادث أم انتحار؟
ومع ذلك، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن وسائل إعلام إيرانية أخرى نقلت تقارير متضاربة عن وفاة العقيد اسماعيل زاده.
وأفادت وكالة “صابرين نيوز” التابعة لـ “فيلق القدس” أن اسماعيل زاده توفي بعد سقوطه من شرفة منزله في مدينة كرج الإيرانية في “ظروف مريبة”، وأن التحقيقات جارية لمعرفة ما جرى.

بينما ذكرت وكالة أنباء إرنا الإيرانية الرسمية أن العقيد إسماعيل زاده توفي إثر “حادث” في شقته، نافية أن يكون قد قُتل.
وذكرت منصة “عماريون” الإخبارية التابعة لـ “الحرس الثوري” على تطبيق “تليغرام”، في البداية أن العقيد قد اغتيل، ثمّ حذفت التقرير، وقالت إنه انتحر بالقفز من شرفة منزله.

كما قالت وكالة “تسنيم” للأنباء التابعة للحرس الثوري إن اسماعيل زاده سقط من الشرفة لعدم وجود قضبان أمان، وإن مكتب الطب الشرعي أكد سبب الوفاة.

تعتيم إعلامي
كما أُقيمت مراسم جنازة زاده في ظل تعتيم إعلامي في قرية نائية في مسقط رأسه بمدينة همدان، وليس، كما هو معتاد، في مقبرة طهران الرئيسية مع تغطية إخبارية وحضور مسؤولين.

ونقلت الصحيفة عن صحفي إيراني كان موجوداً في المنطقة حينها وطلب عدم الكشف عن هويته، إنه ولمدة ثلاثة أيام بعد وفاة اسماعيل زاده، شهد الحي الذي يسكنه العقيد في كرج انتشارًا واسعًا لأفراد الأمن.

وذكرت الصحيفة أن هذا الارتباك دفع بعض الإيرانيين، بمن فيهم محافظون، إلى التشكيك في الروايات المتضاربة.
وغرد عطا الله الحسيني، وهو من قدامى المحاربين في القوات المسلحة الإيرانية، على تويتر: “من كان له سلطة قتل العقيد إسماعيل زاده ولماذا؟”.
كما غرّد عباس القيدري، الباحث في السياسة الدفاعية الإيرانية في تورونتو: “من المستحيل على أعضاء الحرس الثوري الإيراني، الذين يسيرون على طريق الاستشهاد طوال حياتهم، أن ينتحروا”، مضيفاً أنه “إذا اشتبه الحراس في شخص ما، فسوف يعتقلونه ويستجوبونه”.وقال: “القرائن في مكان آخر”.

24

زر الذهاب إلى الأعلى