تحقيقات ومقابلات

أسعار الطاقة المستعرة تدفع أوروبا إلى حافة الجنون

تسود أجواء القلق الدول الأوروبية، بسبب هواجس الزيادات الكارثية في أسعار الطاقة، مع نذر تصاعد التوترات مع عدم اليقين بشأن الإمدادات عبر خط أنابيب رئيسي من روسيا، التي أعلنت الأربعاء الماضي عن قرار بإغلاقه لإنجاز صيانة، ما أثار المخاوف بشأن توقف طويل الأجل من شأنه تهديد جهود تأمين الاحتياطيات الكافية للشتاء.

وبينما تتفاقم أزمة الطاقة، في ظل ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الوقود الأزرق الذي بلغ أعلى مستوى له منذ مارس الماضي، تستمر بعض البلدان الأوروبية في رحلة البحث عن بدائل، في وقت قال فيه رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون، إن الأشهر المقبلة ستكون صعبة على البريطانيين وقد تفقدهم فواتير الكهرباء عقولهم. وألقى جونسون، باللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب عمليته العسكرية في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً.

فواتير التدفئة مخيفة

وكتب رئيس الوزراء المستقيل، في مقالة لصحيفة «ميل أون صنداي» أمس الأحد، «ستكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة، وربما صعبة للغاية. ستكون فواتير الطاقة الكهربائية مذهلة للسكان. وبالفعل باتت فواتير تدفئة المنازل مخيفة جداً بالنسبة للكثيرين منا».

تداعيات العقوبات

وجاء ذلك بينما، أعلنت هيئة الطاقة البريطانية رفع سقف فاتورة الكهرباء للمستهلكين بنسبة 80% لتبلغ 1971 جنيهاً اعتباراً من أكتوبر المقبل، بعد ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً الناجم عن تداعيات العقوبات ضد روسيا. وحذر رئيس هيئة تنظيم الطاقة البريطانية جوناثان برييرلي، من أن أسعار الطاقة من المرجح أن تستمر في الارتفاع، داعياً رئيس الوزراء المقبل لاتخاذ تدابير جديدة لمكافحة ارتفاع الأسعار. وقال برييرلي: «الشتاء على الأبواب، وفواتير الطاقة وصلت إلى مستويات قياسية، وهذا ليس أفضل ما يمكن حدوثه في ظل أزمة غلاء المعيشة».

وانتقد خبير الادخار البريطاني مارتن لويس، ليز تروس المرشحة لزعامة المحافظين ورئاسة الحكومة في بريطانيا، لفشلها في التوصل إلى خطة لمعالجة الزيادات «الكارثية» في أسعار الطاقة وحذر من أن الناس سيموتون دون مساعدة.

كارثة لم تحصل

ورداً على تأكيد ارتفاع متوسط فاتورة الطاقة المنزلية، قال لويس: «هذه كارثة، إذا لم نحصل على مزيد من التدخل الحكومي، إضافة إلى ما تم الإعلان عنه في مايو، فستفقد الأرواح هذا الشتاء». وأعرب لويس عن سخطه من الحكومة والمرشحين لقيادة حزب المحافظين (ليز تروس وريشي سوناك) لغياب أي خطة مفصلة لمساعدة الناس على التكيف مع الصعود. وكانت الحكومة الفرنسية قد وعدت أمس الأول ب«عدم السماح لأسعار الطاقة بالانفجار» في وجه الأسر. وقالت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن «يمكن للفرنسيين أن يطمئنوا، سنخفّف الزيادات»، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار بشكل حاد في أسواق الجملة.

وتتأثر أوروبا بأكملها بهذا الارتفاع في أسعار الطاقة. وأعلن رئيس الوزراء التشيكي الذي تتولّى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي الجمعة، أنّ بلاده ستعقد اجتماعاً طارئاً لوزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي. وهناك أسباب عدّة وراء انفجار الأسعار، بدءاً بتجفيف تدفّقات الغاز الروسي إلى أوروبا منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وتستخدم العديد من محطّات الطاقة الحرارية الغاز لتوليد الكهرباء.

أزمة فوق التصور

وقالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، إن العالم بأسره يعاني ارتفاع أسعار الطاقة، «لكن أوروبا تمر بأزمة طاقة أسوأ مما يتصور العالم»، مشيرة إلى أن المستهلكين في القارة العجوز سيعانون من «الألم الاقتصادي المدمر عندما يحل الشتاء قريباً».

وذكرت المجلة الأمريكية، في تقرير لها، أن المشكلة الأساسية تكمن في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي أثار الفوضى في أرجاء أوروبا، ورفع معدلات التضخم سريعاً، وعرقل الصناعات، وبدأ يصيب المواطنين العاديين بالذهول كلما وصلتهم الفواتير عبر البريد.

وأصبحت أسعار الغاز الطبيعي أعلى ب10 أضعاف مما كانت عليه في المتوسط طوال السنوات الماضية، وأغلى ب10 أضعاف من أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.

وقال خبير أسواق الغاز العالمية في شركة «رابيدان إنرجي» الاستشارية أليكس مونتون إن «الغاز الطبيعي أصبح باهظ الثمن، لدرجة أن أسعاره الحالية توازي شراء برميل النفط ب500 دولار أمريكي». وأضاف: «وصلت الأمور إلى نقطة الأزمة. إذ صارت أسعار الغاز فلكية، ولا نزال على بُعد أشهر من الذروة الحقيقية للطلب على الغاز في الشتاء. وهناك حالة شك منطقي فيما إذا كانت ستتوافر إمدادات غاز كافية، لتلبية الطلب طوال الشتاء أم لا». (وكالات)

زر الذهاب إلى الأعلى