آراء

جان ماري غيتو : البريكزيت والدفاع الاوروبي

في 2015، كانت بريطانيا صاحبة أكبر موازنة دفاع في الاتحاد الأوروبي، وحلت بعدها فرنسا وألمانيا. وشركاتها الدفاعية تستخدم تكنولوجيا بالغة التطور. وهي القوة الأوروبية النووية الثانية. وهي كانت من الدول الأوروبية القليلة التي التزمت تخصيص 0.7 في المئة من الموازنة لمساعدات التنمية. فحصة بريطانيا من النفوذ الأوروبي الاستراتيجي بارزة. ولا شك في أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يوجه ضربة كبيرة إلى ركن قوة الاتحاد الأوروبي الناعمة: نموذجه الناجح في الاندماج.

ولكن بريطانيا قيدت تطوير دفاع أوروبي مشترك. وغلبت كفة الناتو والتعاون الثنائي مع فرنسا على كفة الاتحاد الأوروبي، وحالت دون نشوء وكالة جهاز دفاع أوروبي. وافتقرت إلى الحكمة في اللجوء إلى قوتها. ففي حرب العراق انحازت إلى الولايات المتحدة. وفي ليبيا انضمت إلى فرنسا لحمل أميركا على المشاركة في حرب أطاحت معمر القذافي. ونتيجة الحرب شائكة. وخلاصة القول إن المملكة المتحدة عنصر حيوي في المعادلة الاستراتيجية الأوروبية، ولكنها ليست عنصراً فاعلاً في الاستراتيجية الأوروبية.

ولا يسع الاتحاد الأوروبي التوسل بالحوار ومساعدات التنمية والعلاقات الاقتصادية فحسب لضمان أمنه وإرساء الاستقرار في جواره. ففي عالم اليوم القوة «الصلبة» وازنة. وتمس الحاجة إلى التوسل بها في دعم استراتيجيات سياسية مدروسة. والتزام موقف سياسي من غير دعمه بالقوة، هش وفارغ. وناقوس الخطر يدق: أعمال بوتين في أوكرانيا، وتمدد داعش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وذيوع الاضطراب في الساحل… وهذه الأخطار تبرز في وقت يتراجع الدور الأميركي في أوروبا والعالم. وقد لا ينتخب دونالد ترامب رئيساً، ولكن خطابه هو مرآة تغير مزاج الأميركيين الذين يرغبون في التقوقع، شأن الأوروبيين، وهم يرتابون من الالتزامات الخارجية ويريدون الانصراف إلى التحديات الداخلية.

ولا تخفى النتائج السلبية المترتبة على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وحري بالاتحاد هذا اقتناص الفرص السانحة بعد البريكزيت. فبريطانيا كانت ذريعة تعثر تقدم المؤسسات الأوروبية. فهي عارضت تطوير الدفاع الأوروبي، فتذرع الأوروبيون بموقفها لتقليص الدور الأمني في «المقاربة الشاملة الدفاعية» – وهي ركن الكتاب الأبيض الدفاعي الألماني والاستراتيجية الشاملة التي أعلنت عنها فيديريكا موغيريني. وذريعة الأوروبيين الثانية إلى التراخي في الدفاع الأوروبي المشترك هو الزعم أن الناتو يغنيهم عن مثل هذا الدفاع.

ومع انسحاب بريطانيا، يرجح وزن أبرز قوتين عسكريتين في الاتحاد الأوروبي، أي فرنسا وألمانيا. ودورهما حاسم في المواقف الاستراتيجية الأوروبية. وتشعر ألمانيا بالقلق. فهي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ولن يطول الأمر قبل أن يزيد إنفاقها العسكري نظيره الفرنسي إذا خصص البلدان النسبة نفسها من ناتجهما القومي للدفاع- أي 2 في المئة من الناتج القومي، وهي العتبة التي أقرت في اجتماع الناتو في 2014. وتبذل فرنسا نفقات أكبر على قوة الردع النووية، والتباين بين القدرات الألمانية والفرنسية التقليدية سيزيد مع اتساع هوة الإنفاق الدفاعي.

 

 

 

* رئيس «انترناشنل كرايزس غروب»، عن «شبيغل اونلاين» الالمانية، 1/9/2016، اعداد منال نحاس / الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى