مايكل نايتس : قوات “الشبح” العراقية
في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2014، كشف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن دراسة جزئية لوحدات الجيش العراقي وجدت أكثر من خمسين ألف "جندي شبح"، أو وهمي، كانوا مسجلين رسميّاً على قائمة رواتب الجيش مع أنهم نادراً ما كانوا يحضرون لأداء مهامهم. وهذه ليست نقطة ضعف جديدة: فهي تشكل مشكلة مزمنة منذ عام 2009 أي في ذروة توجيه الحكومة الأمريكية وفعالية قوات الأمن العراقية.
وفي ذلك الوقت فهم الجميع جيداً ظاهرة "الجندي الشبح"، من المستشارين الأمريكيين على مستوى الوحدة وإلى القادة العسكريين العراقيين وأعضاء الحكومة. ففي ذلك الحين لم يشكل هذا الفساد المتجذر عاملاً معيقاً بنفس القدر الذي يشكله اليوم بسبب انخفاض درجة العنف، وتواجد القوات الأمريكية، كما أن الوحدات العراقية تضمنت بصورة متعمدة عناصر كان يوازي عددها 125 في المائة من قوتها المفترضة، وذلك جزئيّاً لتعويض الغياب.
وأثارت تعليقات حيدر العبادي الدهشة فقط لأن الحالة المزرية لـ "قوات الأمن العراقية" لم تكن مفهومة إلى حدٍ كبير في السنوات الخمس الأخيرة. وهناك اثنين من المفاهيم الخاطئة الشائعة التي تحيط بالكارثة التي حلت بـ "قوات الأمن" في عام 2014: أولاً أن "قوات الأمن العراقية" كانت في وضع جيد إلى حد كبير قبل سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») على الموصل؛ وثانياً أن "قوات الأمن" كانت مدمرة بالكامل تقريباً في الأسبوع الذي تلا ذلك. لكن في الواقع، إن تدهور "قوات الأمن العراقية" يعود إلى نصف عقد من الزمن، حيث أن تماسك الوحدات واتساقها وعددها بدأ بالتراجع تقريباً فور تدني التمويل والتوجيه الأمريكيين في عام 2009.
تغيُّب مزمن
في بداية عام 2013، بدأت "قوات الأمن العراقية" تعاني بالفعل من التغيب المزمن وآثار إعادة التعيينات المسيسة في المراتب القيادية. وعلى مدار العام، قامت "قوات الأمن العراقية" بإعادة نشر فرق الجيش العراقي في الجنوب بشكلٍ أكبر بكثير في محافظتي الأنبار ونينوى للتعويض عن الضعف في الوحدات الفردية. وفي نيسان/أبريل 2013، عانت "قوات الأمن العراقية" من انهيار موضعي كبير في كركوك وشمال صلاح الدين في أعقاب قيام تمرد سني على إثر مقتل أكثر من 50 محتجّاً على أيدي قوات الأمن.
وخلال عام 2013، لعبت الميليشيات الشيعية أيضاً دوراً علنيّاً بشكل متزايد في الترتيبات الأمنية داخل بغداد وسامراء، عبر قيام ميليشيات تدعمها إيران بنشر مقاتلين تم سحبهم من سوريا.
وقد سرّعت هذه التوجهات سقوط الفلوجة في يد «داعش» في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2013. وامتلأت المناطق المختلطة طائفياً بالقرب من بغداد وفي جنوب صلاح الدين وفي وادي نهر ديالى بالميليشيات الشيعية التي حظيت بتسامح الحكومة.
وحين سقطت الموصل في حزيران/يونيو 2014، أدت حالة الهلع التي نتجت عن ذلك إلى انهيار حوالي ربع ما تبقى من قدرات "قوات الأمن العراقية" الناشطة. وقبل سقوط الموصل، كانت "قوات الأمن" لا تزال مكوّنة من مائة لواء لا تتمتع بالقوة الكافية من الجيش العراقي، و "الشرطة الاتحادية"، وقوات حرس الحدود والقوات الخاصة، علماً أن كل لواء يعمل في الغالب بنصف قوته (2000 عسكري وليس 4000) بسبب التغيب. ويشير ذلك إلى أن انهيار "قوات الأمن العراقية" كانت عملية دامت عدة سنوات، إلا أن معظم الأضرار حصلت قبل سقوط الموصل.
وأخيراً، في حزيران/يونيو 2014، انهارت "قوات الأمن العراقية" المنهكة: فتفكك 19 لواء من الجيش العراقي وستة ألوية من "الشرطة الاتحادية"، أي ما يساوي ربع قوات الأمن العراقية. وشملت هذه الخسائر كامل الفرقتان الثانية والثالثة من الجيش في نينوى؛ والفرقة الثالثة من "الشرطة الاتحادية" بأكملها في الموصل؛ وغالبية الفرقة الرابعة من الجيش العراقي التي مقرها في صلاح الدين؛ والفرقة الثانية عشر من الجيش العراقي بأكملها والتي مقرها في كركوك؛ هذا بالإضافة إلى خمسة ألوية على الأقل من الجيش العراقي في الجنوب، التي تم سابقاً إعادة نشرها على الحدود السورية.
خسائر فاجعة
على الرغم من الخسائر الكبيرة، صمد بالفعل القسم الأكبر من "قوات الأمن العراقية" – المكون من 36 لواء من الجيش العراقي و 24 لواء من "الشرطة الاتحادية" – بعد سقوط الموصل. ووفقاً لبيانات تم جمعها وستصدر في دراسة مقبلة لـ "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، وصلت قوة "قوات الأمن العراقية" القتالية على الجبهة إلى ذروتها بما مجموعه 380,500 عنصر في عام 2009. أما اليوم، فقد وجدت الدراسة أن هذه القوة القتالية تبلغ 104 آلاف عنصر فقط. ويجب أن يضاف إلى هذا العدد حوالي 120 ألف عنصر من قوات الحشد الشعبية من الميليشيات الشيعية وحوالي 115 ألف عنصر في خط المواجهة من قوات "البشمركة" التابعة لـ "إقليم كردستان العراق".
وإلى جانب هذه القوات، تنوي الولايات المتحدة تدريب تسعة ألوية جديدة من الجيش العراقي وتجهيزها (أي ما مجموعه 45 ألف عنصر من القوات على الجبهة) بالإضافة إلى ثلاثة ألوية من "البشمركة" (15,000 جندي) ولواء واحد على الأقل من "قوات الأمن العشائرية" (مع 5,000 عنصر في أولى هذه الوحدات). ومن جهة أخرى، تعيد ألمانيا تجهيز لواءين من قوات "البشمركة" على الأقل. وحين تنتهي هذه الأشهر الأربعة من التدريب والتجهيز، قد يقترب العراق مجدداً من القوة التي كان يملكها في عام 2009، ولكن دون الجنود الأمريكيين الذين بلغ عددهم أكثر من100,000 جندي على الأرض والذين وفروا الدعم الاحتياطي.
والسؤال الأساسي هنا هو إذا كان العراق مستعداً للانتظار لحين وصول هذه القوات الجديدة قبل أن يبدأ المعركة لاسترجاع الموصل ومناطق أخرى رئيسية تقع تحت سيطرة المتمردين مثل تكريت والفلوجة وتلعفر. فالدوريات الحكومية العراقية تقترب بالفعل من أطراف محافظة الموصل من الجنوب، بينما تقوم قوات "البشمركة" والميليشيات المحلية التي تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» بقفل الحلقة من الشرق والشمال. ويبدو الآن أن الزخم هو في كفة الحكومة: ففي مثل هذه الظروف، يميل العراقيون إلى الاستمرار في عزمهم والاتكال على حظهم. فبالزخم والهلع تماماً تمكّن تنظيم «داعش» من تحطيم الفرق العراقية في حزيران/يونيو.
هجوم متسرع
يذكّر هذا الوضع بمداولات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حول الهجوم الخطر على ميليشيات مقتدى الصدر في البصرة في عام 2008. ففي ذلك الحين نصحت الولايات المتحدة الحكومة العراقية بالتحلي بالصبر ودعمت شن عملية هجومية متعمدة ومعدة بحذر، شبيهة بما تدعو إليه اليوم [لتحرير] الموصل.
ولكن عوضاً عن ذلك أمر نوري المالكي بشن عملية سريعة فورية كادت أن تفشل، لكن تم إنقاذها بتدخل أمريكي كبير، مما أسفرت عن إطلاق الإنجاز العسكري الأكبر الذي اتسمت به سيرة المالكي، أي هزيمة "جيش المهدي".
أما اليوم فسيشكل الهجوم المتسرع على الموصل مخاطرة أكبر من عملية "صولة الفرسان" التي شنها المالكي في البصرة. فـ "قوات الأمن العراقية" لا تزال تتعافى، ليس فقط من نكسات الصيف، بل أيضاً من نصف عقد من الإهمال المزمن والفساد. وقد لا تكون الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران نشطة بصورة مماثلة لكي تقاتل في المناطق ذات الغالبية السنية في الشمال مثل الموصل وتكريت.
إن الأمريكيين غير مستعدين، سياسياً أو لوجستياً، للقيام بعملية إنقاذ مفاجئة عبر نشر عناصر على الأرض من أجل إعادة الاستقرار في أعقاب وقوع أي نكسة. وقد يمثل تنظيم «الدولة الإسلامية» تحدياً أكبر من الميليشيات في البصرة.
وإذا شابهت العمليات القتالية لاسترجاع الموصل وتكريت أي معارك أخرى، فقد تشبه المعارك الكبيرة التي وقعت في المناطق المأهولة في الفلوجة والنجف عام 2004 أو عودة الجيش العراقي إلى مدينة الصدر عام 2008 بعد إبعاده بسنوات. وبالنسبة للولايات المتحدة، يشير ذلك إلى الحاجة لإعداد دقيق وصبور، وتدريب قوات جديدة وتجهيزها لكي تكون قادرة على خوض قتال مكثف في المناطق المأهولة. ويأمل العراقيون تجنب وقوع معارك شبيهة بمعارك ستالينغراد – مثل تلك التي دمرت المدن الكبرى في سوريا – من خلال القيام بهجمات جريئة في وقت مبكر عند نهر دجلة.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن