تحقيقات ومقابلات

الغارديان: اللاجئون السوريون ورقة مساومة تركية للضغط على الاتحاد الأوروبي

قالت صحيفة الغارديان البريطانية، في مقال نشرته على موقعها الإلكتروني، إن تركيا تستخدم اللاجئين السوريين كورقة مساومة في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وتعتبرهم "بيادق" في لعبة جيوسياسية، مشيرة إلى أن هذا الأمر لن يفضي إلى التوصل لحل قريب لأزمة اللاجئين المتفاقمة. 

استهلت الصحيفة بالإشارة إلى تحذير رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الذي وجهه خلال شهر سبتمبر الماضي، حيث تنبأ بشكل مخيف: "إننا نتحدث عن ملايين اللاجئين الذين سيحاولون الوصول إلى أوروبا، وليس مجرد الآلاف منهم". 

وخلال فترة قصيرة، كما تشير الغارديان، تأكدت تلك المخاوف، ويبدو أن أفضل رهان تقوم به أوروبا في الوقت الحالي للسيطرة على تصاعد أزمة اللاجئين يتمثل في تعزيز النظام الحاكم في تركيا، وتحديداً حزب العدالة والتنمية، الذي هو – على حد وصف الصحيفة – خليط متغير من القومية المتطرفة والتدين المُحافظ و"العسكرة". 

تقول الغارديان: "لقد بدأت بالفعل داخل تركيا حملة قاسية ضد اللاجئين منذ شهر أكتوبر الماضي ولا تزال مستمرة بلاهوادة. ويبدو أن أوروبا قررت الاستعانة بمصادر خارجية (تركيا) من أجل تأمين حدودها". 

وتلفت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعرض على تركيا ثلاثة مليارات يورو، إضافة إلى وعود بإعفاء المواطنين الأتراك من الحصول على تأشيرات للسفر إلى أوروبا، فضلاً عن استئناف محادثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، كل ذلك مقابل "عولمة" تقنيات الدولة البوليسية التركية، التي سيتم استخدامها ليس فقط في مواجهة المعارضة الداخلية وإنما أيضا ضد أي شيء يتم النظر إليه باعتباره تهديداً لاستقرار أوروبا. 

وتضيف الصحيفة: "لم يعتقد أيا من المحللين فيما مضى أن السبب الحقيقي لرفض قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي كان يتمثل في (غياب الديمقراطية). إنها الحقيقة التي تؤكدها تصرفات الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن. وكان الهدف الضمني من وراء ذلك الرفض هو حماية القلعة الأوروبية". 

وتوضح الغارديان أن "الخوف من أن تكون إيران دولة مجاورة لإحدى دول الاتحاد الأوروبي" كان سبباً بارزاً للاعتراض على انضمام تركيا إلى الاتحاد الذي يشعر بالقلق إزاء تأمين حدود الدول الأوروبية. 

ولكن الوضع يختلف اليوم، بحسب الصحيفة، إذ اخترق جيران تركيا القلعة الأوروبية بالقوة، ولم يعد الأمر قاصراً الأن على أنهم جيران بالمعني "الجيوسياسي"؛ لأنهم باتوا جيراناً بصورة حقيقية وجزء من الحياة اليومية لسكان أوروبا. 

وترى الغارديان أن وضع كل العبء على كاهل تركيا يُعد خياراً مرغوباً من قبل أوروبا، بيد أنه غير قابل للاستمرار، لاسيما أن تركيا تعتبر حاليا موطناً لحوالي 2.5 مليون لاجىء سوري، وتستخدمهم الحكومة التركية كورقة مساومة في العديد من المفاوضات مع أووربا.
  
وتضيف الصحيفة: "لا يمكن القول أن هؤلاء اللاجئين يتجهون نحو أي مسار للحصول على الجنسية التركية أو تلبية حقوقهم في المواطنة الكريمة. وفي ظل صفقة تركيا الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، يبدو حصولهم على الجنسية التركية من الأمور المستبعدة تماما، وذلك لأن تركيا لا تريدهم داخل حدودها، وسوف تسمح وعود الإعفاء من التأشيرات للمواطنيين الأتراك بالتنقل بحرية داخل منطقة شنغن (بنهاية 2018 إذا صدقت تلك الوعود)، ومن ثم لن يتم السماح للاجئين بالحصول على الجنسية التركية، إلا إذا وضعت السلطات الأوروبية سياسات معقدة وماكرة لاستبعاد (المواطنين الأتراك من أصول لاجئين) من إعفاءات التأشيرات". 

وتؤكد الصحيفة على أن النظام التركي يبتكر طرق معقدة من أي وقت مضى لاستغلال اللاجئين، فقد هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإغراق أوروبا باللاجئين قائلاً: "لن يواجه الاتحاد الأوروبي مجرد جثة الصبي القتيل على شواطىء تركيا، وإنما سيكون هناك 10 أو 15 ألف جثة، فكيف ستتعامل أوروبا مع هذا الوضع؟" .

وترى الصحيفة أن تزايد وجود السوريين في تركيا كان له تأثيراً هادماً على المجتمع التركي؛ لاسيما أنه ساعد على إبراز أفضل وأسوأ الأشياء في تركيا حيث الانقسام العلماني الديني. فعلى سبيل المثال، يتم إساءة استخدام اللاجئين في الأعمال غير الرسمية، وازداد الخطاب العنصري والتعصب، وفي الوقت نفسه تسعى بعض المنظمات الخيرية للتخفيف عن معاناة السوريين وحل مشكلاتهم. 

وتقول الغارديان: "إن انتشار اللاجئين في تركيا قد أفضى إلى زيادة الاستقطاب في مجتمع يعاني بالفعل من إشكالية الاستقطاب. ولا شك في أن هذا الشيء يتكرر في أوروبا بشكل متزايد، والتي لن تكون قادرة على الهروب من زيادة الاستقطاب الإيديولوجي والاقتصادي لعقود قادمة". 

وتخلص الصحيفة أنه لا توجد دلائل تلوح في الأفق بأن هذا المشهد أو بالأحرى هذه الأزمة سوف تتوقف في القريب؛ إذ يبدو أن ملايين السوريين وغيرهم من دول الشرق الأوسط سيكونون سمة دائمة في المشهد الغربي. 

وبحسب الصحيفة، لن تسفر الصفقة مع تركيا عن وقف قدوم اللاجئين إلى أوروبا، وإنما سوف تجبرهم على العبور من خلال منافذ أكثر خطورة وأشد فتكاً، علاوة على مواجهة كل أنواع التوتر وإساءة المعاملة التي يتعرضون إليها في أماكنهم الجديدة. 

وتختتم الغارديان بالإشارة إلى أن السوريين يخاطرون بحياة أطفالهم الصغار من أجل الوصول إلى الشواطىء اليونانية، هرباً من الظروف القاسية وإساءة المعاملة التي يجدونها داخل المخيمات التركية؛ ومن ثم يكون الهروب هو الخلاص الوحيد لهؤلاء اللاجئين. 

وتوصي الصحيفة أن حل هذه الأزمة يحتاج إلى تنسيق وتحرك عالمي من أجل تصحيح تلك الأخطاء، لأن الأمور لن تتحسن كثيراً في أوروبا، ولن يتم حل الأزمة من خلال عدد قليل من الحصص أو تحركات حفظ ماء الوجه التي تقوم بها بعض الأنظمة الليبرالية.
 

 
زر الذهاب إلى الأعلى