آراء

د. طه جزاع : كيف تشتري وطناً سعيداً

انتشر في الآونة الاخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يقدم نصائح مغرية للتقديم الى برنامج مخصص لمواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمنحهم في غضون أقل من ثلاثة أشهر جنسية ثانية بامتيازات كاملة مع جواز سفر صادران عن جمهورية فانواتو التي تحتل المركز الرابع عالميا لأسعد بلدان العالم بحسب مؤشر السعادة العالمي لعام 2016 !

ومثل هذه الدعوات التشجيعية تجد سوقا رائجة في منطقة الشرق الاوسط وفي بلداننا العربية على وجه الخصوص بسبب الكوارث التي لحقت بشعوبها في السنوات الأخيرة وحولتها بين ليلة وضحاها من بلدان مستقرة آمنة وجاذبة للآخرين الى بلدان خربة ومرعبة لا تصلح للعيش البشري وطاردة لمواطنيها وللآخرين ، فأصبح المواطن فيها بين نار البقاء على قيد الموت في الحياة واليأس من اصلاح الأمور ، ونار الهروب الى مجهول قد لا يحمل له ولاسرته واطفاله غير التشرد والاهانة والجوع والمرض والموت وضياع الحاضر والمستقبل ، لذلك فأن مثل هذه الدعوات تجد صداها لدى كل الحالمين بوطن جديد يوفر لهم الأمن والاستقرار والسعادة ، أو على الأقل يمنحهم جنسية وجواز سفر يتيح لهم الدخول لأكثر من 110دولة في العالم من دون تأشيرة !

وجمهورية فانواتو وعاصمتها بورت فيلا هي عبارة عن أرخبيل من أصل بركاني مكون من ثمانين جزيرة يقع في جنوب المحيط الهندي على بعد حوالي 1750 كم شمال شرق استراليا ، ويظهر في فديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي قنصل الجمهورية في بيروت وهو يحضر حفل أداء قسم احترام الدستور والقوانين ليتحدث بعد عزف السلام الوطني عن مميزات الحصول على جنسية وجواز هذا البلد الذي يصفه بأنه الجنة الأرضية ، ويصف شعبه بالمحب والمضياف ، وان حصول المواطنين الجدد على جنسيتهم الجديدة سيجعلهم جزءاً من هذه المنظومة السعيدة ! لا تقلق ، ولا تتذرع بأن هذه البلاد السعيدة بعيدة جدا عن موطنك في العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو غيرها من البلدان العربية في شرق آسيا أو شمال أفريقيا المنكوبة بالحروب والارهاب والفوضى والفقر والجهل والأمية والبطالة والتسلط والدكتاتورية وأنواع المظالم ، فالحصول على جنسيتها وجوازها لا يتطلب منك السفر اليها ولا يشترط منك الاقامة فيها ان لم تكن راغباً في ذلك ، فأنت مواطن فانواتي محترم لك جميع حقوق اخوتك الفانواتيين الأصليين ، ومعك جواز سفر تجول فيه العديد من البلدان ومنها البلدان الأوربية بلا شكوك أو ريبة من كونك عربي أو مسلم وارهابي محتمل ، وعندما تصل الى مطار أو منفذ حدودي عربي تعامل باحترام وترحيب وابتسامة سياحية بهيجة ، ولا تضطر لأن تقف برهبة أمام ضباط الجوازات وهم يرمقونك بنظرات عدم الارتياح لكونك ( شقيق ) عربي ، ان كان حظك جيدا ولم يدفعونك الى غرفة التحقيق المخابراتي لأنك مثلهم ( عربي ) متهم حتى تثبت ادانتك !

برنامج منح جنسية فانواتو مغر حقا وينفرد بالعديد من المزايا ، ومنها كما اخبرتك انه لاحاجة بك لأن تسافر أو تقيم في وطنك الجديد ( يعني مواطن فضائي بالمصطلح العراقي ) ولا حاجة لتعلم لغة جديدة ولا خدمة عسكرية ولا ضريبة على الدخل ولا تنازل عن جنسيتك الأصلية ولا اجراءات معقدة ، كما ان شهادة الجنسية والجواز سيصلانك – ان رغبت وبعد ان تدفع مبلغاً اضافياً – الى مكان اقامتك عبر حضور مفوض حكومة فانواتو الى منزلك لاتمام مراسم تسليم مستندات الدخول الى ( منظومة السعادة ) !

حلم الحصول على جنسية ثانية وجواز سفر محترم حلم يستحق العناء في بعض البلدان العربية التي يحمل أغلب أفراد طبقتها الحاكمة جنسية ثانية وجواز سفر محترم رغما عن ( أنف ) الدستور ، لكن هناك شرط بسيط – عزيزي القارىء الحالم – هو ان تدفع لقاء ذلك مبلغا مقداره 200000 $ ( مئتا ألف دولار أميركي ) وان كان طلبك عائليا حتى أربعة أشخاص ( زوج ، زوجة ، ولدان ) فأن المبلغ يصبح 230000 $ وبأمكانك أن تضيف 15000 $ لأي ولد اضافي دون الثامنة عشرة ومبلغ 25000 $ لأي ولد اضافي بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرون أو للوالد والوالدة العزيزة ! لا تقلق ولا تفكر كثيرا ، فالبرنامج للأثرياء ، وأصحاب السلطة والجاه ، وللنخبة ( المالية ) من المجتمعات العربية ..

أما أنت أيها المواطن العربي الآسيوي والشمال أفريقي البسيط الفقير ، فتمسك بجنسيتك الأصلية , ولو كنت ستبقى مؤجرا لمسكنك في وطنك طوال حياتك ، وتمسك بوطنك ولو بقيت بين مطرقة الارهاب والتفخيخ والقتل والتهديد وسندان التهجير والتشرد والضياع والبطالة والعطالة ، والتسلط والدكتاتورية وغياب سلطة القانون ، وتمسك بجواز سفرك وان كان أسوأ جواز في العالم ، فأنك لست من ( نخبة ) الأثرياء لكي تشتري وطناً سعيداً وتعيش ماتبقى من حياتك مثل بقية البشر !

 

*كاتب واكاديمي عراقي

لمراسلة الكاتب

taha.jazza@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى