د. حسن السوداني : يورو تايمز .. نتمناها صحيفة يومية
وأنا أتصفح العدد الأول من جريدة يورو تايمز الورقية التي صدرت عن مؤسسة يورو برس الاعلامية في السويد استوقفتني عدة تساؤلات مهنية بحكم عملي الصحفي الذي ابتدأ عام 1986 ثم توطد أكاديميا بعد حصولي على الدكتوراة، وإشرافي فيما بعد على العديد من رسائل وأطروحات الدكتوراه في علم الاتصال..
هذه الأسئلة تتمحور في جانبين هما: (الحرفية والمهنية من جهة والاجتماعية من جهة اخرى)!! فالمحور الأول يؤشر عجزا كبيرا في تجارب المهجر العراقي المهنية فاغلب الـ(المحاولات) الصحفية لإصدار مجلات او صحف ورقية أصدمت بالتخصص الذي يقودها فباتت لا تخرج من حقل (المحاولات) التي تخطأ أكثر مما تصيب!!
وهذا الحكم يظهره جليا كتاب الدكتور فائق بطي المعنون( الصحافة العراقية في المنفى) الصادر عن دار المدى ب 380 صفحة من القطع المتوسط فهو يمر على اغلب التجارب (الصحفية) التي صدرت في المهجر ويستعرض بعض منشوراتها بطريقة (غير معمقة)!!
غير ان احد آفات هذه الظاهرة الصحفية هي وقوف الأحزاب والكتل السياسية وراء اغلب تلك الإصدارات ويمكننا هنا ان نستثني بعض الإصدارات الثقافية (من الناحية المهنية وليست السياسية) التي ضمت أسماء ثقافية مهمة في هيئات تحريرها ولم تستمر طويلا بسبب الاشتباك الدائم بين المثقف والسياسي الذي يريد لي عنق الجمال الى ناحية الخراب المعشش بداخله!!
تحولات المنفى العراقي شهدت ملامح جديدة بعد عام 2000 بهجرة عقول أكاديمية كثيرة بدأت من شمال إفريقيا حيث عمل الاف الأكاديميين العراقيين الذي اتخذوا البحر سبيلا للوصول إلى أوربا وخاصة دول الشمال الاسكندينافي لتنعش الحياة الثقافية في هذه البلاد الباردة ولتنفر في ذات الوقت من سياقات العمل الثقافي التقليدي الذي شاع في أوساط المهاجرين العرب والعراقيين في هذه البلدان!!
ومع توفر الجانب المهني التخصصي لهؤلاء الجدد فقد تحقق الشرط الأول الذي ذكرناه انفا غير ان الجانب الثاني ( الاجتماعي) ظل حبيس الشكل المحلي الذي نزحت منه تلك الجموع فغالبا ما اتخذت شكلا عرقيا او حزبيا او دينيا او طائفيا محددا وأصبحت تتعامل مع الآخر من غير تلك التصنيفات على أساس المقاطعة او التهميش او العدائية احيانا. وقد مررت شخصيا بتجربة مريرة في بدايات عام 2002 عندما افتتحت مع زميلين آخرين إذاعة محلية عمرها ستة أشهر فقط قضيناها بالدفاع عن أنفسنا امام عشرات الاتهامات التي قابلتنا وأهمها السؤال (الغبي جدا) من ورائهم؟ وبعد ان أوقفناها جاء المتسائلون راغبين بعودتها مجددا لكن (فات حين مناص)!! بمرور الوقت افتتح العراقيون المهجريون مواقع الكترونية في محاولة للتعبير عن أرائهم ورؤاهم، غير ان تلك المواقع خلطت الحابل بالنابل، وأصبح كل من ينشر انطباعا أو (خربشات) يظن انه صار صحفيا أو أديبا أو شاعرا!! وبتنا ننتقي الكلمات بصعوبة عندما يلاقينا بعضهم سائلا إياك رأيك فيما كتبه!! فيخرج الرأي مزحوما بالتأتأة او الثأثأة او الهمهمة!!
العقد الثاني من القرن الحالي شهد تحولا( خجولا) جديدا في صدور الصحف والمجلات المهنية ففي عام 2013 صدرت مجلة ننار(الفصلية) الورقية باربعة لغات بضمنها العربية واليوم تصدر اليورو تايمز الصحيفة الورقية (الشهرية) التي نامل ان تكون يومية قريبا.
ما يميز التجربتان هو وقوف متخصصين وراء إدارتهما فالأولى تقودها سيدة عراقية حاصلة على دكتوراه في الصحافة والثانية يقودها دكتور عراقي متخصص في الصحافة ايضا، وهذا يعني ان لا خوف عليهما من المهنية والحرفية غير ان الخوف من عقبات الاستمرار والدعم المادي سيكون هو الجانب الأكثر قلقا في الموضوع .. العدد الأول من يورو تايمز يشي بالكثير عبر غيومه الماطرة ، ولا يمكن الحكم عليه مبكرا فهو بحاجة زمنية مناسبة لاستقراره، لكن الإدارة والأسماء المشاركة يزيحان القلق الى الأمنيات بمطبوع حقيقي يدفأ أيامنا الباردة!!
أكاديمي وصحفي – السويد