أخبار الهجرة

3 آلاف دولار للوصول إلى فيينا.. تجارة تهريب اللاجئين تنتعش مع إغلاق الحدود داخل أوروبا

خيم توتر ذات ليلة على أجواء الدخان السابح في مقهى "بلغراد سيتي" الكائن في حي شعبي قرب محطة القطار، ففي الداخل مفاوضة ومساومة على سعر إنسان.

وقف عشرات الشباب العرب والأفارقة مرتدين بدلات رياضية وقبعات صوفية يفاوضون مهرباً صربياً على تكاليف نقلهم غير القانوني عبر حدود البلقان التي تنغلق أمامهم واحدة تلو الأخرى. 

فر هؤلاء من ويلات الحرب والفقر المدقع في بلدانهم، والآن هم بحاجة ماسة للمساعدة في الوصول إلى وجهتهم التي يحلمون بها: غرب أوروبا.

وكالة أسوشيتد برس الأميركية نقلت، الأربعاء 2 مارس/اذار 2016، عن المهرب الوسيط قوله لرجل مغربي الجنسية "لا أستطيع القيام بهذا بأقل من 5 آلاف يورو على هذه المجموعة"، فكتب المغربي الرقم على هاتفه وأطلع المجموعة عليه، فساد الوجوم.

وقال المغربي "هذا مبلغ كبير على هؤلاء الناس، فهم لا يملكون مبلغاً كهذا."

فأجاب المهرب الصربي "إذن لا اتفاق بيننا" ثم سحب نفساً عميقاً من لفافة تبغه قبل أن يشيح ببصره تجاه زبائن آخرين احتشدوا داخل المقهى المعتم الذي تغطي جدرانه صور قديمة باهتة لباريس وعواصم أوروبية أخرى.

 

انتعاش تجارة تهريب البشر

 

وفق تقرير الوكالة الأميركية، فقد عادت تجارة تهريب البشر إلى الرواج في العاصمة الصربية وغيرها داخل ممر هجرة البلقان، وتنتعش أسواقها بالنسبة للسكان المحليين فيما توصد دول الاتحاد الأوروبي أبواب حدودها متتالية كصف من حجارة الدومينو، تاركة آلاف اللاجئين عالقين عند حدود اليونان الشمالية.

فرضت أخيراً النمسا وبعض دول البلقان قيوداً على دخول اللاجئين وقوانين صارمة على تنقلهم المؤقت. تدابير عطلت تدفق اللاجئين إلى أوروبا، بيد أنها لم توقفه، ما غذى تجارة التهريب في المنطقة ونشط عصاباتها.

من جانبهم، يتجمع اللاجئون في صناديق السيارات أو داخل حجرات سرية داخل الشاحنات والباصات، ثم ينقلون عبر طرق التهريب غير الشرعية التي يسلكها مهربو المخدرات؛ في حين يسلك مهربون آخرون بحمولتهم من اللاجئين طرق الحدود المعتادة مع ملء جيوب موظفي الأمن والجمارك بالرشاوى كي يغضوا الطرف.

 

مخاطر على الحدود

 

هنالك كذلك فريق ثالث ينقلهم صوب الحدود مهربون لا يمتهنون التهريب، بل يمارسونه من وقت لآخر، هم في أغلبهم سائقو سيارات أجرة (تاكسي)، ما إن يصلوا الحدود حتى يطلقوا ركابهم لعبور السياج بأنفسهم في الظلام الدامس. 

إن حالف هؤلاء المهاجرين الحظ، فسيتلقاهم على الجهة الأخرى مهرب آخر بعدما يعبرون غابات وأنهاراً متجمدة مشياً على الأقدام، أما إن لم يبتسم لهم الحظ فسيمسك بهم خفر الحدود.

لكن في كلتا الحالتين يكون مالهم قد ذهب وصب في جيوب المهربين.

وقال رادوس دجوروفيتش من مركز حماية اللاجئين في بلغراد، أنه متى عبر المهاجرون من تركيا إلى اليونان "فلا عودة لهم."

وأضاف أنه "من العبث الاعتقاد بأن المهاجرين سيستسلمون ويعودون إلى بلدانهم بمجرد التعرض للمضايقة والتضييق على حقوقهم الإنسانية."

وتابع بقوله أن فرض قيود الحدود الجديدة قد نشط تجار تهريب البشر في البلقان ليملؤوا أرصفة وأزقة بلغراد بعدما كانوا يشكون كساداً الصيف الماضي حين كان تدفق اللاجئين مفتوحاً على مصراعيه.

 

3000 يورو مقابل اللاجئ الواحد

 

على اللاجئ الواحد دفع تكلفة تبلغ 1000 يورو لقاء قطع مسافة 600كم من الحدود اليونانية مع مقدونيا وحتى العاصمة الصربية، وتزداد التكلفة من 1000 إلى 3000 يورو أخرى لقطع 600 كم أخرى نحو العاصمة النمساوية فيينا. الدفع نقداً دائماً، وتزايد الطلب يعني أن الأسعار سترتفع من جديد عما قريب.

أحياناً يخاطر اللاجئون لا بأموالهم فقط بل بحياتهم أيضاً، ففي أغسطس/آب الماضي اكتشفت السلطات النمساوية جثث 71 مهاجراً ما بين 10 أشهر من العمر وحتى 56 عاماً قضوا اختناقاً داخل شاحنة نقل محكمة الإغلاق وعازلة للهواء كانت قد غادرت صربيا بعدما قطعت المجر حتى وصلت النمسا.

وحسب تقديرات اليوروبول (المكتب الأوروبي للشرطة)، فإن 90% من الـ 1.1 مليون لاجئ الذين وصلوا أوروبا العام الماضي كانوا قد استعانوا بالمهربين لقطع أجزاء من رحلتهم. 

وحتى اللحظة تعتبر تركيا أنشط وأخصب مكان لتجارتهم حيث ينظمون رحلات خطرة بالقوارب عبر بحر إيجه إلى اليونان، والآن تلوح فرص ازدهار هذه التجارة عبر طريق هجرة البلقان الذي يمر بمقدونيا وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا قبل الوصول إلى النمسا.

 

3000 علينا تعقب الأشرار

 

وقال روب وينرايت مدير شرطة الإنتربول "إن تجارة تهريب البشر هي في قلب أزمة المهاجرين وعلينا تعقب الأشرار الذين يقفون وراءها."

عندما ضربت المجر حاجزاً من الأسلاك الشائكة بينها وبين صربيا وكرواتيا الصيف الماضي، تحول طريق الهجرة غرباً نحو سلوفينيا، وتسبب تشديد حراسة حدود المجر وفرض العقوبات الصارمة الجديدة على كل مخالفة في دخول البلاد و حوادث اختراق الأسلاك الشائكة – تسبب في عرقلة التدفق وإبطائه.

بيد أن الدخول غير الشرعي إلى المجر قفز أخيراً وارتفع بعدما فرضت دول أخرى في البلقان قيوداً تقلل عدد الداخلين إليها إلى بضعة مئات يومياً وعينت جنسيات محددة مسموح لها الدخول، إذ فجأة وجد الأفغان أنفسهم عالقين في اليونان بعدما كانوا يمرون بحرية من قبل.

وقدرت الشرطة اليونانية أعداد اللاجئين العالقين عند حدود اليونان الشمالية بـ10 آلاف لاجئ حتى يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار، منهم عائلات كثيرة طفح بها مخيم اللاجئين في نقطة إيدوميني الحدودية.

أما غوران بيليتش من منظمة أنقذوا الأطفال الخيرية، فقال أن اللاجئين "مجبرون على الاختيار بين إنفاق مالهم القليل الذي تبقى لهم على الطعام، أو إنفاقه على المهربين."

وأضاف أحمد اسماعيلي المغربي العالق في بلغراد، أن القليل من المهاجرين العالقين يستطيعون دفع أسعار المهربين في مقهى بلغراد سيتي. 

وتابع خريج طب الأسنان الذي لم يجد وظيفة في بلده "الأثرياء المقتدرون وصلوا أوروبا في موجة الهجرة الأولى، أما الفقراء عابرو السبيل من أمثالي فعالقون خلفاً."

لكن لدى اسماعيلي خطة، فسيدفع 200 يورو لسائق تاكسي صربي سيقله صوب حدود المجر الشائكة ويحاول هناك القفز فوقها متحاشياً الوقوع في أيدي خفر الحدود الساهرين، ثم سينفق 220 يورو أخرى على سائق أجرة مجري ليقله إلى فيينا.

واختتم بالقول "خير لي أن يتم القبض علي من أن أعود إلى بلادي، لأني لن أعود إلا في كفني."

هذا الموضوع مترجم من قبل هافنغتون بوست بتصرف عن وكالة Associated press الأميركية.

 
 
 
 
 
زر الذهاب إلى الأعلى