تحقيقات ومقابلات

صحيفة أمريكية: الانقلاب العسكري شماعة أردوغان للابتزاز السياسي واسكات الخصوم

في مقال مُثير بما تضمنه من توقّع وقراءة لمجريات الأحداث وقتها، قالت صحيفة واشنطن بوست في مقال أصدرته بتاريخ 7 أبريل (نيسان) الماضي، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتوقف عن ابتزاز المجتمع التركي وتهديده بإمكانية حصول انقلاب عسكري، لتحقيق مآربه السياسية.
 

وكان المقال يتحدث يومها عن الشائعات الكثيرة التي تسربت إلى الداخل والخارج، عن نية الجيش الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان، ما دفع بقيادة الجيش إلى إصدار بيان رسمي نفت فيه أي نية بالانقلاب على الرئيس وحكومته، رغم ماضي الجيش التركي الحافل بالانقلابات الدموية في التاريخ التركي المُعاصر، وآخرها الانقلاب "الناعم" ضد الأب الروحي لأردوغان رئيس الحكومة في 1997 نجم الدين أربكان.

نقص شعبية
وفي تحليلها للتهديد بالانقلاب المنتظر قالت الصحيفة إن أردوغان أقرب إلى "لاعب الفنون القتالية الماهر" وفق وصف أحد المعارضين السابقين في البرلمان التركي أيكن اردمير، والمحاضر في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن.

ويُضيف المعارض السابق: "عمل حزب العدالة والتنمية الحاكم، على السيطرة على كل وسائل الإعلام التركية تقريباً، وهي وسائل الإعلام نفسها التي تُغذي هذه الشائعات عن الانقلاب العسكري، للتعويض عن النقص في الشعبية وتراجع مكانة الحزب وقياداته في تركيا، وإحساسهم بنقص الشرعية المتنامي".

ويُؤكد الباحث والمحاضر في حديثه مع الصحيفة الأمريكية أن العدالة والتنمية "وبعد أكثر من عشر سنوات في الحكم، يُواجه انتقادات متزايدة، حتى وصلت إلى نقطة المفاضلة بين نظام حكم عسكري، أو حكومة العدالة والتنمية الفائزة بالانتخابات".

وفي تشخيصه للوضع يومها يقول المعارض التركي السابق، إن العدالة والتنمية "يُعاني تآكلاً مثيراً للاهتمام في صفوف الأنصار والمؤيدين خاصةً بين الشباب، ما يُبرر تركيز الحكومة على قمع المعارضة المتزايدة على شبكات التواصل الاجتماعي بحجب الأمن التركي مواقع مثل فيس بوك أو تويتر وحتى يوتيوب بشكل متزايد".

صورة قديمة
وإلى جانب مشاكله الهيكلية يُعاني رجب طيبب أردوغان وحزبه من تراجع الشعبية "بسبب الوضع السياسي الداخلي بعد تجدد الصراع الدموي مع الانفصاليين الأكراد، وبسبب الوضع في الجارة سوريا، ومن تراجع الأداء الاقتصادي، وتقلص الإقبال السياحي على البلاد، ما أفضى إلى القطع مع الصورة السابقة الرائجة قبل عقد من الزمن عن تركيا، البلد المزدهر اقتصادياً بفضل نظامه الإسلامي الديموقراطي".

على صعيد آخر وفي المقال نفسه، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، والكاتب في الموقع الالكتروني لمعهد المؤسسة الأمريكية في واشنطن مايكل روبن، إن أردوغان يمر بأزمة حكم واضحة "تُبرر إلى حد بعيد تكتيكاته المتسلطة ضد المعارضين الذين زج بهم في السجون إلى جانب الصحافيين من اليمين واليسار، إلى جانب مشاكل قصره الشهير الجدير بسلطان مجنون، أو خليفة جامح وخارج عن السيطرة والتعقل".

إذا انقلب لن يتوقف
وعليه يؤكد روبن: "إذا قرر الجيش التحرك لوضع حد لهذا الوضع، فلا أحد يمكنه إجباره على التوقف، ولا حتى واشنطن نفسها، التي ستُضطر في النهاية للتعامل مع الواقع الجديد".

وقال الكاتب الأمريكي: "أنا لا أقول إن الانقلاب سيقع قريباً أو غداً، لكني أقول إنه إذا غادر الجيش الثكنات فإن ذلك سيكون بسبب أردوغان نفسه، والذي لن تتحرك واشنطن لمحاولة إنقاذه بسبب طريقته في الحُكم".

ويُضيف المسؤول الأمريكي السابق أن تركيا "تشهد حالياً سباقاً بين العسكريين والصحافيين ووسائل الإعلام المختلفة لتأكيد ولائها وحرصها على النظام، ورفضها التفكير في مغامرة الانقلاب، ما يعني أن أحدهم وضع بطريقة أو بأخرى الإصبع على موطن الداء".

قتل واعتقال كبار العسكريين
ويُضيف تقرير الصحيفة الأمريكية اعتماداً على شهادة خبير تركي آخر يتمتع بعلاقات واسعة في الوسط العسكري، إن الجيش التركي وتركيا عاجزة في الوقت الحالي عن التخطيط فضلاً عن تنفيذ انقلاب عسكري ناجح، بعد أن طهر حزب العدالة والتنمية منذ بداية حكمه المؤسسة العسكرية بشكل مؤلم ووصولاً إلى القتل والاعتقال وعلى امتداد السنوات الماضية، من القيادات العليا التي شك في ولائها للحزب ولرئيسه، أو التي خشي انشقاقها في لحظة ما والتفكير في الانقلاب، واعتبار الفكرة نفسها مجرد عبث وهراء.

ولكن مشكلة أردوغان حسب المعارض التركي والباحث في مركز البحوث الاستراتيجية في واشنطن شنك سيدار، ليست في الجيش، بل الشعب التركي، فخلافاً للمصريين الذين هبوا هبة رجل واحد للمطالبة بحقوقهم، ثم تبعهم الجيش، فإن الأتراك يُعطون في أغلبهم الانطباع بأنهم مجموعة رجال مُطيعين، ضفادع جميلة ثرثارة في بركة آسنة، ويعقتد أردوغان أنه نجح في السيطرة عليهم، ولكن الواقع غير ذلك تماماً.

الرهان الحقيقي
وتُدرك السلطات التركية أن الخطر الحقيقي الذي يُهددها، في ظل الانفراج الحالي في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة وأردوغان من جهة أخرى، أن يُضاعف الأخير جرعة التسلط، ما يُمكن أن يتسبّب في صدام قاس بينه وبين والرأي العام التركي، الذي لم يرضح رغم كل شيء تماماً له، فرغم مطاردة عشرات الجامعيين والأكاديميين، والمحاكمات ضد مئات الصحافيين بتهمة التطاول على أردوغان وإهانته، فإن المظاهرات المنددة بحكمه تُعد بالمئات يومياً في جميع أنحاء البلاد، ما يعني أن الشعب التركي لم يخضع أبداً بالكامل لسلطة أردوغان.

ولذلك يستمر أردوغان وجهاز حزبه الدعائي في الإصرار على إمكانية انقلاب الجيش، والانقلاب على المكاسب الديموقراطية والاقتصادية الكثيرة التي تنعم بها تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية.

ويُضيف سيدار"لم ييأس الشعب التركي أبداً من التغلب على أردوغان، ولم يستلم، ولكن هذه مهمة أحزاب المعارضة التي عليها تحويل التحركات الشعبية إلى تغيير سياسي، الأمر الذي لم يحصل بعد، ولكنه سيحصل".

جدير بالذكر أن هذه المقالة عادت إلى التداول، اليوم الأحد، مع الكلام الآخذ في التزايد والمشكك في وقائع الانقلاب الذي شهدته تركيا، حيث يرى مراقبون أن هذا الانقلاب قد يكون مدبّراً بهدف "تطهير الجيش" وجميع مؤسسات الدولة التركية من المعارضين لأردوغان ونظام حكمه.

24

زر الذهاب إلى الأعلى