تحقيقات ومقابلات

بعد “البريكست”.. البريطانيون نادمون على الخروج من الاتحاد الأوروبي

سلّط محللون سياسيون فرنسيون الضوء على نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مُعتبرين أنّها جاءت سلبية وقاتمة، وهو ما يراه كذلك 80% من البريطانيين أنفسهم حيث كشف أحدث استطلاع أجرته مؤسسة أوبينيوم، أنّ 22٪ فقط من البريطانيين يرون أنّ مُغادرة الاتحاد الأوروبي كان له تأثير إيجابي على الوضع العام لبلادهم، أما فيما يتعلق بالاقتصاد البريطاني فإنّ هذه النسبة تنخفض إلى 12%.وحول ذلك رأت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية أنّ وعود السياسيين البريطانيين، وفي مُقدّمتهم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، بمستقبل أفضل لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لم تتحق بعد أربع سنوات من “البريكست”.
وذكرت أنّ استطلاعات كشفت أنّ أغلبية البريطانيين اليوم نادمون على هذا الاختيار التاريخي مع تزايد الشعور بأنّ تكلفة الانفصال فاقت المكاسب التي وعد بها أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي. وذلك فيما يعتقد أكثر من 63% من الشعب البريطاني أنّ “البريكست” أدّى إلى زيادة التضخم وتفاقم أزمة تكاليف المعيشة.
باريس الرابح الأكبر
بالمقابل يرى الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي مارك انجراند أنّ باريس استفادت بزخم منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، مُشيراً إلى أنّ الحكومة الفرنسية تعمل اليوم على مشروع قانون بشأن الجاذبية المالية يهدف إلى الدفاع عن مصالح السوق الباريسية في الاتحاد الأوروبي المستقبلي لأسواق رأس المال.

واعتبر أنّ العاصمة الفرنسية أصبحت بقوة المركز المالي الأول في أوروبا بعد خروج بريطانيا، لكنّ هذا النجاح المُذهل ليس سوى مرحلة وفق خبراء، حيث كشف وزير الاقتصاد، برونو لومير، عن نيّته تقديم مشروع قانون في الربيع القادم حول الجاذبية المالية لفرنسا من أجل تعزيز هذه الديناميكية الإيجابية للاقتصاد الفرنسي، حيث أنّ “البريكست” جذب مشاريع وتدفقات استثمارية إضافية ودائمة وخلق الآلاف من الوظائف في فرنسا على عكس ما حصل في بريطانيا.
واجتذب سوق باريس منذ عام 2021، أكثر من 5500 وظيفة مصرفية ومالية من لندن، واختارت غالبية البنوك الأنجلوسكسونية الكبيرة إقامة أنشطتها السوقية في منطقة اليورو في باريس. وحول ذلك يُعلّق ستيفان بوجينا، المدير العام لشركة بورصة يورونكست “إنّها ليست مُقارنة مذهلة بما كانت عليه لندن، لكنّها كذلك بما كانت عليه باريس”.
وتتمثّل النتيجة الملموسة الأولى للـ “البريكست” في تعزيز مكانة فرنسا كمصدر محوري للخدمات المالية التي تضاعف فائضها المالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وفي مواجهة فرانكفورت ودبلن وأمستردام، التي يمكن أن تطالب بجزء كبير من تحويلات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استفادت باريس من أصول قوية: كثافة شبكة النقل الخاصة بها، وجودة نسيجها التعليمي والجامعي، أو حتى تركّز نادر في أوروبا لمراكز صنع القرار العامة الوطنية والدولية (مثل الوكالة المصرفية الأوروبية) ومقار المجموعات الاقتصادية الخاصة الكبيرة.
ويُسلّط القطاع المالي الضوء أيضاً على الإصلاحات التي اعتمدتها فرنسا منذ عام 2015 لتحسين صورة البلاد وظروف الأعمال، سواء من خلال الإعفاء الضريبي أو التبسيط الإداري أو تخفيف الإجراءات القانونية، فضلاً عن الصورة المتجددة التي قدّمها منذ عام 2017 رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون المؤيد علناً لقطاع الأعمال، والمُنظّم الرئيسي لمؤتمرات وفعاليات قمم “اختر فرنسا” التي تجمع سنوياً رؤساء الشركات متعددة الجنسيات في فرساي.

لندن تفقد عصرها الذهبي
وخلص إلى نفس النتائج كذلك الكاتب والمحلل الاقتصادي جان ميشيل بيزات، الذي أكد أنّ باريس تفوّقت على لندن التي تحوّلت إلى حيّ مالي ضعيف منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تخلّت الشركات الكبرى عن سوق لندن، وتدهور مناخ الأعمال في المملكة المتحدة التي شهدت زيادات ضريبية وتخفيضات واضحة في الإنفاق العام، وسط توقعات بإغراق البلاد في الركود، وكل هذا لا يُبشّر بالخير بالنسبة للمدينة (لندن)، التي انتهى عصرها الذهبي بالفعل.
ويرى الخبراء أنّ التخلّي عن أوروبا أدّى إلى تدهور مناخ الأعمال غرب قناة المانش، في حين كان أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أكدوا على العكس أنّ هذا المغادرة من شأنها أن تُعزز النشاط المتحرر أخيراً من قيود الاتحاد الأوروبي، لكن ما حدث فعلاً هو “تضرر الاقتصاد البريطاني ككل وبشكل دائم” وفقاً لمايكل سوندرز، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا.

زر الذهاب إلى الأعلى