آراء

سحبان فيصل محجوب: الجانب الاخلاقي في صناعة الخدمات العامة

يتبنى الكثير من المعنيين بشؤون حياة المجتمعات مفهوم واحد للخدمة العامة والذي يشير الى ماتقدمه الحكومات الى المواطنين من خدمات عمومية لتسهيل حياتهم باتجاه تحقيق الاستقرار والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية في المجالات المختلفة بنحو مباشر بوساطة القطاع العام أو قيامها بتنظيم ما يتم تقديمه منها بتسخير قدرات القطاعين المختلط والخاص وذلك باعتماد حزمة من التشريعات والانظمة وعلى وفق القدرات المالية للدولة وما يتناغم ومتطلبات تطبيق شروط حقوق الانسان في الدول المعاصرة والقوانين والانظمة الدولية ويعتبر ذلك مرتبطا بنحو وثيق بمساحة ومستوى الجانب الأخلاقي في تعامل السلطات مع المجتمع متلقي هذه الخدمات وكما يذهب في وصف هذه العلاقة من قبل الكثير من المهتمين في وضع عوامل التقييم لفعالية هذه الخدمات ومدى تاثيرها على حياة الافراد .
غالبا ما تصنف أنواع الخدمات العامة و على وفق أهميتها في حياة المجتمعات الى العديد من الفئات فمنها الاساسيةالتي تشمل توفير الأمن أولاً وكل ما يتعلق بالخدمات التي تلبي حاجات المواطنين كالمياه والكهرباء والتعليم وما الى ذلك من ضرورات الحياة ويلي ذلك ما يطلق عليها الخدمات العامة الوقائية التي تسخر لمواجهة المشكلات المحتملة والتي تعرقل استقرار حياة المجتمعات وتطورها وتشمل هذه الخدمات قطاعات الصحة والاسكان ومعالجة الامية والتأهيل المهني للشباب وغيرها وقد تشمل الخدمات المتعلقة بنوعية الحياة والتي تخص وسائل الترفيه ودعم الفنون مع توفير عوامل البناء الثقافي وتطويره ، هذه الخدمات في اولوياتها تختلف من مجتمع الى أخر الا انها تبقى من الضرورات في تحقيق الرفاهية ودعم توجهات الافراد في ترسيخ عوامل الانتماء لمجتمعاتهم ، وهناك خدمات عامة قصيرة المدى تقدم في حالات الطوارئ التي تتعرض لها المجتمعات وعلى سبيل المثال معالجة النقص في الغذاء والدواء وتوفير الاسكان المؤقت وتأمين وسائل الانقاذ وغالبا ما يجري تقديم مثل هذه الخدمات في التعامل مع نتائج الكوارث الطبيعية كالهزات الارضية أو الإعصار والفيضانات وغيرها .
مما لا شك فيه ان مستوى الخدمات العامة يعتمد بالاساس على متانة الهيكل العام للبنى التحتية والتي من شروطها توفر التمويل المالي اللازم بالتوازي مع التخطيط السليم وحسن التنفيذ بعيدا ً عن ما يؤدي الى التخبط والفوضى في تحديد الاولويات في عملية بناء الاعمدة الاساسية للمنشآت الارتكازية وعلى وجه التحديد ما تخلفه تأثيرات الصراعات السياسية والمصالح الضيقة ومحفزات صناعة منظومة الفساد وما يتبع ذلك من ضياع الكثير من الفرص المتاحة في انتاج وتطوير الخدمات العامة باتجاه الوصول الى مستوى متقدم منها تقترب الى تحقيق مفاهيم الخدمات الاساسية المتكاملة .
إن ما يجري في العراق الان من تداعيات بفعل المشهد السيسي المضطرب وما تشهده الساحة من تزايد في عديد حلبات التنافس والصراعات للاستيلاء على المناصب الوزارية والمواقع الوظيفية المتقدمة في السلطة هدفها الاساس هو تحقيق أكبر ما يمكن من المكاسب المادية للأحزاب والتيارات السياسية ، حتى وصلت الى حالة بائسة وشائنة في عقد الصفقات لتقاسم المنافع والتي سوف تتلقفها الاطراف المشاركة فيما يسمى بالعملية السياسية حال الاعلان عن تشكيل حكومة المحاصصة المنتظرة بولادة قيصرية و متعسرة ، لذا فإن هذه الاطراف المتنافسة وبوساطة شخوصها المنتدبين عنها للعمل في الجهاز الحكومي المتقدم سوف تضع الهدف المحدد لها في أولويات عملها وقبل أي إعتبار وطني مسؤول أو رادع أخلاقي و هو السيطرة على الموارد المتاحة والتخصيصات المالية المرصودة لانشاء وتطوير الخدمات العامة وعلى كافة المستويات ( الاساسية والوقائية والطارئة) وبهذا سوف تكون المحصلة هي انتاج خدمات عامة هزيلة لا تتناسب مع ما تم رصده من أموال بفعل الانفاق الجائر غير المشروع لها و مع غياب المفاهيم الاخلاقية في التعامل مع حاجات المواطن الاساسية ستبقى المعاناة من سوء الخدمات العامة للمجتمع العراقي على حالها كما هي عليه منذ ما يقارب العقدين من الزمان .

مهندس استشاري

زر الذهاب إلى الأعلى